على أخرى والموصوف واحد ؛ لأنّهم يقولون : جاءني زيد العاقل والظريف والشجاع ، والموصوف معا واحد. وقال الشاعر :
إلى الملك القرم وابن الهمام |
|
وليث الكتيبة في المزدحم (١) |
والصفات كلّها لموصوف واحد وكلام العرب مملوّ في نظائر ذلك (٢).
ـ (إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ) [الأنفال : ٥٢].
ويوصف تعالى بأنه «قوي» ؛ لأن معناه معنى قادر ، وإنّما يوصف الجبل وما أشبهه بالقوي لحصول الشدّة والصلابة على التشبيه بالقادر ؛ لأن الشدّة تمنع على بعض الوجوه من الكسر والقطع كما يمنع القادر (٣).
ـ (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧) لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٦٨)) [الأنفال : ٦٧ ـ ٦٨].
[فان قيل :] أو ليس هذا يقتضي عتابه على استبقاء الأسارى وأخذ عرض الدنيا عوضا عن قتلهم؟
الجواب : قلنا : ليس في ظاهر الآية ما يدلّ على أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم عوتب في شأن الأسارى ، بل لو قيل : إنّ الظاهر يقتضي توجّه الآية إلى غيره لكان أولى ؛ لأنّ قوله تعالى : (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) ، وقوله تعالى : (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) ، لا شكّ أنّه لغيره ، فيجب أن يكون المعاتب سواه ؛ والقصّة في هذا الباب معروفة والرواية بها متظافرة ؛ لأنّ الله تعالى أمر نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم بأن يأمر أصحابه بأن يثخنوا في قتل أعدائهم بقوله تعالى : (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ) (٤) وبلّغ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ذلك إلى أصحابه فخالفوه ، وأسروا يوم بدر جماعة من المشركين طمعا في الفداء ، فأنكر الله تعالى ذلك عليهم وبيّن أنّ الّذي أمر به سواه.
__________________
(١) الجامع للشواهد ، ١ : ١٨٢.
(٢) الانتصار : ٨٦.
(٣) الذخيرة : ٥٧٨.
(٤) سورة الأنفال ، الآية : ١٢.