وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ) (١) وقوله تعالى : (وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ) (٢) وقوله جلّ اسمه : (وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ) (٣) دلالة على موضع الخلاف ، وهو : أنّ في كلّ عصر مؤمنين يشهدون على غيرهم ، وأكثر ما تدلّ عليه الآيات التي تلوناها أن يكون في الأمّة شهداء ، وأن من جملة المؤمنين من يستشهد فيشهد ، فأمّا أن يقتضي ذلك وجود الشهداء في كلّ عصر فبعيد.
فأمّا استدلاله من الآية على أنّ إجماع كلّ عصر حجّة : «بأنّها تقتضي التحذير من ترك اتباع سبيل المؤمنين ، وليس فيها تخصيص وقت من وقت (٤)» فباطل ؛ لأنّه ليس يلزم إذا لم يكن في الآية تخصيص وقت من وقت أن يحمل على كلّ الأوقات ، وذلك أنّها كما لم تخصّ وقتا دون وقت فلم تعمّ أيضا جمع الأوقات ، وفقد دلالة أحد الأمرين كفقد دلالة الآخر ، ولا فرق بين من ذهب إلى عمومها في الأوقات من حيث لم يكن فيها اختصاص وقت وبين من خصّها بوقت معيّن ، إمّا وقت نزول الآية أو غيره ، واحتجّ بأنّه لما لم يجد فيها ما يقتضي عموم سائر الأوقات ولا تخصيص وقت ، سوى الوقت الذي عيّنته.
فإذا قيل له : حكم الوقت الذي عيّنته كحكم غيره في أنّ الآية لا تقتضي تخصيصه ، فليس تعيين وقت أولى من تعيين غيره.
قلنا نحن : وحكم سائر الأوقات وجميعها حكم بعضها في أنّ الآية لا تقتضي تناوله ، فليس من ادّعى عموم الأوقات بأولى ممن ادّعى وقتا مخصوصا (٥).
ـ (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ ...) [النساء : ١٢٣].
__________________
(١) سورة الحديد ، الآية : ١٩.
(٢) سورة الزمر ، الآية : ٦٩.
(٣) سورة هود ، الآية : ١٨.
(٤) في المغني «فإن قال : أتدل الآية على أن إجماع كلّ عصر حجّة؟ قيل له نعم لأنها تقتضي» وجملة «التحذير من ترك» مكانها بياض في المغني. وفيه «وليس يخصص وقت من وقت». راجع المغني ١٧ : ١٦٩.
(٥) الشافي في الإمامة وابطال حجج العامة ١ : ٢١٦.