يخالف النفي ؛ لأنّ القائل إذا قال : «لا أكلّم جميع الحدث» و «لا آكل جميع هذا الطعام» متى كلّم بعضهم وأكل بعض الطعام لا يكون كاذبا ، وفي الإثبات إذا قال : «أنا آكل جميع الطعام» و «أكلّم جميع الناس» متى أخلّ بالبعض يكون كاذبا.
والجواب عن ذلك : هو إنّا قد بيّنّا أنّه تعالى لم يتمدّح في الآية بانتفاء فعل أو إثبات فعل ، وإنّما تمدّح بما يرجع إلى ذاته ، وهذا القدر كاف في إسقاط هذا السؤال ؛ لأنّ تمدّحه إذا كان راجعا إلى ما يختصّ في ذاته ، كان انتفاء إدراك البعض كانتفاء إدراك الكلّ ، وإنّما يصحّ معنى السؤال ، لو كان الإدراك معنى ، ثمّ كان ممّا يصحّ انتفائه عن بعض المدركين دون بعضهم وحالهم واحدة ، وإذا كنّا قد دللنا على فساد كلّ ذلك فلا شبهة في السؤال (١).
ـ (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ) [الأنعام : ١١٢].
أنظر البقرة : ٢٦ ، ٢٧ من الرسائل ، ٢ : ١٧٧ إلى ٢٤٧.
ـ (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) [الأنعام : ١٢١].
وممّا إنفردت به الإمامية أنّ ذبائح أهل الكتاب محرّمة لا يحلّ أكلها ولا التصرّف فيها ؛ لأنّ الذكاة ما لحقتها ، وكذلك صيدهم وما يصيدونه بكلب أو غيره. وخالف باقي الفقهاء في ذلك (٢) ، دليلنا على صحة ما ذكرناه الاجماع المتردد ، وأيضا قوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) وهذا نصّ في موضع الخلاف ؛ لأنّ ما ذكرناه من الكفّار لا يرون التسمية على الذبائح فرضا ولا سنة ، فهم لا يسمّون على ذبائحهم ، ولو سمّوا لكانوا مسمّين لغير الله تعالى ؛ لأنّهم لا يعرفون الله تعالى لكفرهم على ما دللنا عليه في غير موضع ، وهذه الجملة تقتضي تحريم ذبائحهم.
فإن قيل : هذا يقتضي أنّه لا يحلّ ذبائح الصبي ؛ لأنّه غير عارف بالله تعالى.
__________________
(١) الملخص ، ٢ : ٢٤٣ وراجع أيضا الأمالي ، ١ : ٤٩.
(٢) المبسوط (للسرخسي) ، ١٢ : ٥ و ١١ : ٢٤٦.