والوجه الثاني : أنّه تعالى أطلق عليه اسم التطهير ، والتطهير لا يطلق في الشرع إلّا لازالة النجاسة أو غسل الأعضاء الأربعة ... (١)
ـ (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ) [الأنفال : ١٢].
أنظر الأنفال : ٦٧ من التنزيه : ١٥٧.
ـ (وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً ...) [الأنفال : ١٧].
أنظر البقرة : ٤٩ من الأمالي ، ٢ : ٩٤.
ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) [الأنفال : ٢٤].
[إن سأل سائل] فقال : ما معنى الحول بين المرء وقلبه ؛ وهل يصحّ ما تأوّله قوم من أنّه يحول بين الكافر وبين الإيمان؟ وما معنى قوله : (لِما يُحْيِيكُمْ) وكيف تكون الحياة في إجابته؟
الجواب : قلنا : أمّا قوله تعالى : (يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) ففيه وجوه :
أوّلها : أن يريد بذلك أنّه تعالى يحول بين المرء وبين الانتفاع بقلبه بالموت ، وهذا حثّ من الله عزوجل على الطاعات والمبادرة بها قبل الفوت وانقطاع التّكليف ، وتعذّر ما يسوّف به المكلّف نفسه من التوبة والإقلاع ؛ فكأنّه تعالى قال : بادروا إلى الاستجابة لله وللرسول من قبل أن يأتيكم الموت فيحول بينكم وبين الانتفاع بنفوسكم وقلوبكم ، ويتعذّر عليكم ما تسوّفون به نفوسكم من التوبة بقلوبكم. ويقوّي ذلك قوله تعالى : (وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ).
وثانيها : أن يحول بين المرء وقلبه بإزالة عقله وإبطال تمييزه ، وإن كان حيّا ، وقد يقال لمن فقد عقله وسلب تمييزه : إنّه بغير عقل ؛ قال الله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ) (٢).
__________________
(١) الانتصار : ١٥ وراجع أيضا الناصريات : ٩١.
(٢) سورة ق ، الآية : ٣٧.