ـ (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) [آل عمران : ٩٧].
[فيها أمور :
الأوّل : [فالضرورة تدعو إلى جعله] يعني قوله «ومن دخله» أمرا لأنه لو كان خبرا كان كذبا وإذا كان أمرا كان صحيحا (١) والمعنى : انه يجب أن يأمن ، فجعل قوة الوجوب واللزوم كانه حصول ووقوع (٢).
[الثاني : قال الناصر رحمهالله :] «الاستطاعة هي الزاد وصحّة البدن».
عندنا : أنّ الاستطاعة التي يجب معها الحجّ صحّة البدن ، وارتفاع الموانع ، والزاد والراحلة ، وزاد كثير من أصحابنا أن يكون له سعة يحج ببعضها ويبقي بعضه القوت عياله (٣) ...
دليلنا على صحّة ما ذهبنا إليه بعد الاجماع المتكرّر ذكره : أنّه لا خلاف في أنّ ما حاله من ذكرناه أنّ الحجّ يلزمه ، فمن ادّعى أنّ الصحيح الجسم إذا خلا من سائر الشرائط التي ذكرناها يلزمه الحجّ فقد ادّعى وجوب حكم شرعيّ في الذمّة وعليه الدليل ؛ لأنّ الأصل براءة الذمّة.
وأيضا ؛ قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً). والاستطاعة في عرف الشرع وعهد اللغة أيضا عبارة عن تسهيل الأمر وارتفاع المشقّة فيه ، وليست بعبارة عن مجرّد القدرة.
ألا ترى أنّهم يقولون : ما أستطيع النظر إلى فلان ؛ إذا كان يبغضه ويمقته ويثقل عليه النظر إليه ، وإن كانت معه قدرة على ذلك.
وكذلك يقولون : لا أستطيع شرب هذا الدّواء ، يريدون إنّني أنفر منه ويثقل عليّ.
__________________
(١) الشافي في الإمامة وإبطال حجج العامة ، ٣ : ١٩٥.
(٢) الرسائل ، ٤ : ١٥٧.
(٣) المختلف ، ٤ : ٦.