وثالثها : أن يكون المراد ب «وفار التّنّور» أي برز النّور ، وظهر الضوء ، وتكاثفت حرارة دخول النهار ، وتقضّي الليل. وهذا القول يروى عن أمير المؤمنين عليهالسلام.
ورابعها : أن يكون المراد بالتنّور الذي يختبز فيه على الحقيقة ؛ وأنّه تنور كان لآدم عليهالسلام. وقال قوم : إن التّنّور كان في دار نوح عليهالسلام بعين وردة (١) من أرض الشام. وقال آخرون : بل كان التنّور في ناحية الكوفة ؛ والذي روي عنه أنّ التنّور هو تنّور الخبز الحقيقي ابن عباس والحسن ومجاهد وغيرهم.
وخامسها : أن يكون معنى ذلك : اشتدّ غضب الله تعالى عليهم ، وحلّ وقوع نقمته بهم ؛ وذكر تعالى التّنّور مثلا لحضور العذاب ، كما تقول العرب : قد حمي الوطيس ؛ إذا اشتدّ الحرب ، وعظم الخطب. والوطيس هو التّنّور. وتقول العرب أيضا : قد فارت قدر القوم إذا اشتد حربهم ؛ قال الشاعر :
تفور علينا قدرهم فنديمها |
|
ونفثؤها عنّا إذا حميها غلا (٢) |
أراد بقدرهم حربهم ، ومعنى نديمها : نسكّنها ، ومن ذلك الحديث المروي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه نهى عن البول في الماء الدائم ؛ يعنى الساكن. ويقال : قد دوّم الطائر في الهواء ، إذا بسط جناحيه وسكنهما ولم يخفق بهما. ونفثؤها ، معناه نسكّنها ؛ يقال : فثأت غضبه عنّي ، وفثأت الحارّ بالبارد إذا كسرته به.
وسادسها : أن يكون التنّور الباب الذي يجتمع فيه ماء السفينة ؛ فجعل فوران الماء منه والسفينة (٣) على الأرض علما على ما أنذر به من إهلاك قومه ؛ وهذا القول يروى عن الحسن.
وأولى الأقوال بالصواب قول من حمل الكلام على التنّور الحقيقي ؛ لأنّه
__________________
(١) في حاشية بعض النسخ : وردة : اسم امرأة : تنسب العين إليها.
(٢) البيت في اللسان (فثأ) ، ومقاييس اللغة (٢ / ٣١٥) منسوبا إلى النابغة الجعدي.
(٣) ضبطت في الأصل بالفتح والضم معا ؛ وفي حاشية بعض النسخ : إذا نصب كان عطفا على «فوران» ويكون «على الأرض» حالا ؛ والرفع أولى.