الحجّة على المتحدّيّ وإظهار عجزه وقصوره عمّا تحدّى به ، وليس هناك فعل يتناوله إرادة الأمر بإلقاء الحبال والعصيّ بخلاف ذلك ؛ لأنّه مقدور ممكن ، فليس يجوز أن يقال : إنّ المقصود به هو أن يعجزوا بها عن إلقائها ويتعذّر عليهم ما دعوا إليه ، فلم يبق بعد ذلك إلّا أنّه أمر بشرط.
ويمكن أن يكون على سبيل التحدّيّ بأن يكون دعاهم إلى الإلقاء على وجه يساوونه فيه ، ولا يخيّلون فيما ألقوه من السعي والتصرّف من غير أن يكون له حقيقة ؛ لأنّ ذلك غير مساو لما ظهر على يده من انقلاب الجماد حية على الحقيقة دون التخييل. وإذا كان ذلك ليس في مقدورهم فإنّما تحدّاهم به لتظهر حجّته ويوجّه دلالته وهذا واضح.
وقد بيّن الله تعالى في القرآن ذلك بأوضح ما يكون فقال : (وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ) [إلى آخر ما تقدّم من الآيات] (١).
[الثاني : انظر الصافات : ٩٥ و ٩٦ من الأمالي ، ٢ : ٢٠٣]
ـ (قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ) [الأعراف : ١٢٣].
أنظر الأعراف : ١٤٣ من الأمالي ، ٢ : ١٨٥.
ـ (قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) [الأعراف : ١٢٩].
أنظر النور : ٥٥ من الشافي ، ٤ : ٣٦ و ٤٥.
ـ (وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) [الأعراف :
١٤٢] (٢).
قال القاضي : «دليل لهم آخر ، واستدلوا بقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أنت مني بمنزلة
__________________
(١) تنزيه الأنبياء والأئمّة : ١٠٥.
(٢) أقول : نقلنا كلامه هنا بطوله لاشتماله على فوائد تفسيرية وروائية وبحوث كلامية في الإمامة الّتي هي الخلاف الجرزى بيننا وبين العامة.