ـ (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ (١٧٢) أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (١٧٣)) [الأعراف : ١٧٢ ـ ١٧٣].
وقد ظن بعض من لا بصيرة له ، ولا فطنة عنده أنّ تأويل هذه الآية أنّ الله تعالى استخرج من ظهر آدم عليهالسلام جميع ذريته ، وهم في خلق الذّرّ ، فقرّرهم بمعرفته ، وأشهدهم على أنفسهم.
وهذا التأويل ـ مع أنّ العقل يبطله ويحيله ـ ممّا يشهد ظاهر القرآن بخلافه ؛ لأنّ الله تعالى قال : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ) ، ولم يقل : من آدم ، وقال : (مِنْ ظُهُورِهِمْ) ، ولم يقل : من ظهره ، وقال : (ذُرِّيَّتَهُمْ) ، ولم يقل : ذرّيته ؛ ثمّ أخبر تعالى بأنّه فعل ذلك لئلا يقولوا يوم القيامة : إنّهم كانوا عن ذلك غافلين ، أو يعتذروا بشرك آبائهم ، وأنّهم نشؤوا على دينهم وسنّتهم ؛ وهذا يقتضي أنّ الآية لم تتناول ولد آدم عليهالسلام لصلبه ، وأنّها إنّما تناولت من كان له آباء مشركون ؛ وهذا يدلّ على اختصاصها ببعض ذريّة بني آدم ؛ فهذه شهادة الظّاهر ببطلان تأويلهم ، فأمّا شهادة العقول فمن حيث لا تخلو هذه الذّرّية التي استخرجت من ظهر آدم عليهالسلام فخوطبت وقرّرت من أن تكون كاملة العقول ، مستوفية لشروط التكليف ، أو لا تكون كذلك ؛ فإن كانت بالصّفة الأولى وجب أن يذكر هؤلاء بعد خلقهم وإنشائهم ، وإكمال عقولهم ما كانوا عليه في تلك الحال ، وما قرّروا به ، واستشهدوا عليه ؛ لأنّ العاقل لا ينسي ما يجري هذا المجرى ، وإن بعد العهد وطال الزمان ؛ ولهذا لا يجوز أن يتصرّف أحدنا في بلد من البلدان وهو عاقل كامل فينسي مع بعد العهد جميع تصرّفه المتقدّم وسائر أحواله.
وليس أيضا لتخلّل الموت بين الحالين تأثير ؛ لأنّه لو كان تخلّل الموت يزيل الذكر لكان تخلّل النوم والسّكر والجنون والإغماء من أحوال العقلاء يزيل ذكرهم لما مضي من أحوالهم ؛ لأنّ سائر ما عددناه ممّا ينفي العلوم يجري