وإنّما أراد : أنّي لا أنسى ذلك ما حييت ؛ وكذلك لا يمتنع أن يعلّق على هذا المذهب دوام العذاب بكونهم مستطيعين للسمع والإبصار ؛ ويعود المعنى إلى تعلّقه ببقائهم ، وكونهم أحياء ؛ والمرجع في ذلك إلى التأبيد لأنّه إذا علّق العذاب ببقائهم وإحيائهم علمنا أنّ الآخرة لا موت فيها ، ولا خروج عن الحياة ، علمنا تأبيد العذاب (١).
[انظر أيضا الإسراء : ٤٨ من الأمالي ، ٢ : ١٤٥].
ـ (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [هود : ٣٤].
[إن سأل سائل] فقال : أوليس ظاهر هذه الآية يقتضي أنّ نصح النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لم ينفع الكفّار الذين أراد الله تعالى بهم الكفر والغواية ، وهذا بخلاف مذهبكم!.
الجواب : قلنا : ليس في ظاهر الآية ما يقتضيه خلاف مذهبنا ؛ لأنّه تعالى لم يقل إنّه فعل الغواية وأرادها ؛ وإنّما أخبر أنّ نصح النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لا ينفع إن كان الله يريد غوايتهم. ووقوع الإرادة لذلك أو جواز وقوعها لا دلالة عليه في الظاهر ؛ على أنّ الغواية هاهنا الخيبة وحرمان الثواب ؛ ويشهد بصحّة ما ذكرناه في هذه اللفظة قول الشاعر :
فمن يلق خيرا يحمد النّاس أمره |
|
ومن يغو لا يعدم على الغيّ لائما (٢) |
فكأنّه قال : إن كان الله يريد أن يعاقبكم بسوء أعمالكم وكفركم ، ويحرّمكم ثوابه فليس ينفعكم نصحي ما دمتم مقيمين على ما أنتم عليه ؛ إلّا أن تقلعوا وتتوبوا.
وقد سمّى الله تعالى العقاب غيّا ، فقال : (فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) (٣) ؛ وما قبل هذه الآية يشهد بما ذكرناه ؛ وأنّ القوم استعجلوا عقاب الله تعالى : (قالُوا يا نُوحُ
__________________
(١) الأمالي ، ١ : ٥١٨.
(٢) البيت للمرقش الأصغر (المفضليات ٢٤٧ ـ طبعة المعارف).
(٣) سورة مريم ، الآية : ٥٩.