وهذا الذي أشرنا إليه هو معنى كلّ ما جرى مجرى هذا البيت ؛ من قول الشاعر (١) :
وأجهشت للتّوباذ حين رأيته |
|
وكبّر للرّحمن حين رآني (٢) |
فقلت له : أين الذين عهدتهم |
|
بجنبك في خفض وطيب زمان! |
فقال : مضوا ، واستودعوني بلادهم |
|
ومن ذا الذي يبقى على الحدثان! |
ومن المحذوف أيضا قوله تعالى : (إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ) (٣) ؛ ولم يأت لإذا جواب في طول الكلام ، وإنّما حسن حذف الجواب الذي هو : «فدخلوها» لو ورد ما يقوم مقامه ؛ ويدلّ عليه من قوله تعالى : (وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ) (٤) وذلك لا يكون إلّا بعد الدخول ؛ ومثل ذلك قول امرئ القيس :
فلو أنّها نفس تموت سويّة |
|
ولكنّا نفس تساقط أنفسا (٥) |
فحذف جواب «لو» والجواب هو : «لكان ذلك أروح لها وأخفّ عليها» ؛ ومثله قول الهذليّ (٦) :
حتى إذا أسلكوهم في قتائدة |
|
شلا كما تطرد الجمّالة الشّردا (٧) |
ومثل هذا كلّه في الحذف : إنّما أتمنّى كذا لو أعطيته ؛ وظاهر هذا الكلام كأنّه مشروط وكأنّه قال : إنّني أتمنّاه إذا أعطيته ؛ والأمر بالضدّ من ذلك ؛ والمعنى : لو أعطيته لبلغت مناي ، ولنفعني ؛ وما أشبه ذلك المعنى (٨).
ـ (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) [الرعد : ٣٩].
أنظر المقدّمة الرابعة ، الأمر التاسع.
__________________
(١) هو المجنون. الأغاني ١ / ١٧٩.
(٢) التوباذ : جبل في نجد ؛ والأبيات أيضا في معجم البلدان (٢ / ٤٢٤) من غير عزو.
(٣) سورة الزمر ، الآية : ٧٣.
(٤) سورة الزمر ، الآية : ٧٤.
(٥) ديوانه : ١٤٢ ؛ وقوله : «تساقط ، أي يموت بموتها بشر كثير».
(٦) هو عبد مناف بن ربع الهذلي ؛ ديوان الهذليين ٢ / ٤٢.
(٧) قتائدة : موضع ، والجمالة : أصحاب الجمال. مرت سابقا في الجزء الأول.
(٨) الأمالي ، ٢ : ٢٦٥.