على ما استعملته من التخصيص قال : ليس يجب إذا اضطررت إلى تخصيص ما لا بدّ له وإن كان ظاهر الكلام يقتضي خلافه إن التزم تخصيصا لا دلالة تقتضيه ، فقد بطل بما أوردناه جميع كلامه في الفصل على جملة وتفصيل.
قال صاحب الكتاب : «فإن قال : إن قوله : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى» ليس بأن يتناول الحال بأولى من المستقبل فيجب أن يحمل الاستثناء على ظاهره ؛ لأنه لا فرق بين أن يخرج من الكلام ما لولاه لثبت في الحال ، أو ما لولاه لثبت في المستقبل ، قيل له : إن ظاهر هذا الكلام لا يقتضي إلّا الحال ، وإنّما يقتضي المستقبل من جهة المعنى لا من جهة اللفظ ، ومن حق الاستثناء أن يعود إلى اللفظ لا إلى المعنى ، فلا يصحّ ما ذكرته ، يبيّن ما ذكرناه أنه لو تغيّرت منزلته في المستقبل لم يبطل حكم اللّفظ ، ولو كانت منزلته غير حاصلة في الحال لبطل حكم اللفظ ، فعلمنا أن الذي يقتضيه الظاهر هو الحال وإنّما يحكم بدوامه من جهة المعنى ، وذلك يبيّن صحّة ما ذكرناه ، على أنه لو جعل ذلك دلالة على ضدّ ما قالوه بأن يقال : لم يكن لهارون من موسى منزلة الإمامة بعده البتّة ، فيجب إذا كان حال عليّ عليهالسلام من النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم حال هارون من موسى أن يكون إماما بعده لكان أقرب ممّا تعلّقوا به ؛ لأنّهم راموا إثبات منزلة مقدّرة ليست حاصلة بهذا الخبر ، فإن ساغ لهم ذلك ساغ لمن خالفهم أن يدعي أن الخبر يتناول نفي الإمامة بعد الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم من حيث لم يكن ذلك لهارون بعد موسى ، ومتى قالوا : ليس ذلك مما يعدّ من المنازل فيتناوله الخبر ، قلنا بمثله في المقدر الذي ذكروه.
وبعد ، فإنه يقال لهم : قد ثبت من منزلة هارون من موسى الشركة في النبوّة في حال حياته ، والذي كان له منزلة الإمامة بعده يوشع بن نون فلو أراد عليهالسلام بهذا الخبر الإمامة لكان يشبه منزلته منه بمنزلة يوشع بن نون من موسى وهذا يبيّن أن مراده عليهالسلام ما ينفيه من بعد مما يقتضي إثباته في الحال فقط ، ...» (١)
__________________
(١) المغني ، ٢٠ : ١٦.