الشرط ؛ لأنّه لا يتناول إلّا الممدوح ، ولهذه العلّة وجب في الشرط المراعي في النفي أن يكون أيضا إثباتا أو جاريا مجرى الإثبات. ومن تأمّل ما وقع التمدّح فيه بالنفي والإثبات ، علم أنّ الأمر فيه على ما ذكرنا.
فإن قيل : ظاهر الآية إنّما يقتضي نفي إدراك الأبصار عنه ، وهذا ممّا لا يخالف فيه أحد ، وإنّما الخلاف في إدراك المبصرين الذين لم يتناولهم الآية؟
قلنا : ليس يخلو ذكر الأبصار أو المبصرون ، فإن أريد به الرؤية دون حاسّتها ، فذلك باطل بما دللنا به من قبل على أنّ الرؤية ليست بمعنى ، وإن أريد الحاسّة ، بطل أن تكون الآية موجبة لمدحه تعالى ؛ لأنّ الحاسّة كما يستحيل أن ترى هي القديم تعالى ، وكذلك يستحيل أن ترى غيره من جميع الموجودات ، فلا اختصاص هاهنا للقديم تعالى بما ليس لغيره.
وليس لأحد أن يراعي في ذلك كونه رائيا ويشترط النفي به ؛ لأنّ كلّ سليم من الأحياء يشارك في ذلك ، من حيث كان البصر لا يراه على الحقيقة ، وإن كان هو رائيا له.
على أنّ من ليس أدنى بصيرة بالعربيّة (١) ، لا يتعرض بمثل هذا الاعتراض ؛ لأنّهم لا يفرّقون ـ إذا أرادوا النفي ـ بين أن يعلّقوه بالآلة أو بذي الآلة ، ولهذا يقولون : «يد فلان لا تبطش» ، و «رجله لا تسعى» ، و «عينه لا تبصر» ، وإنّما يريدون أنّه في نفسه لا يبطش ولا يسعى ولا يبصر ، فالمعنى واحد ، وإن كان اللفظ الأوّل الذي يعلّق النفي فيه بالآية أفصح وأبلغ.
فإن قيل : من أين لكم عموم الآية على وجه يتضمّن نفي إدراك البعض ، كما يتضمّن نفي إدراك الكلّ ، ظاهر الآية إنّما يقتضي أن جميع المبصرين أيضا لا يدركونه ، وهذا ممّا لا خلاف فيه؟
قلنا : قد أجيب عن هذا السؤال بأنّ إدراك الكلّ يقتضي نفي إدراك البعض ، كما أنّ الإثبات يقتضي ذلك ، وليس هذا بمرضيّ ؛ لأنّ الإثبات في هذا الباب
__________________
(١) كذا في الأصل ولعلّ الصحيح ، «على انّ من له أدنى بصيرة بالعربية.»