بصفته الذاتية التي اقتضت له نفي الإدراك عنه وإثباته فيه ، كما أنّه تعالى لمّا تمدّح بنفي الشبيه والولد والصاحبة لم يتمدّح بالنفي على الحقيقة ، وإنّما يتمدّح بما اقتضى له من صفته الذاتية.
وقد اعترض المخالفون [على] الوجه الأوّل فقالوا : كيف يصحّ أن يتمدّح لمجموع أمرين كلّ واحد منهما بانفراده ولا يقتضي المدح ، ولئن جاز هذا ليجوزنّ أن يتمدّح بأنّه شيء عالم ، أو ذات قادرة ، فبنفيه المدح لمجموعه وإن كان الانفراد بخلافه.
وقد أجيب عن هذا : إنّه غير ممتنع في الصفة التي لا تقتضي مدحا على الانفراد ، أن تكون مؤثّرة في المدح عند الانضمام إلى غيرها أو وقوعها على بعض ، ومثّلوا ذلك بتمدّحه تعالى بنفي الشبيه والولد ، وأنّه لم يكن مدحا لمجرّد النفي ، من حيث قد ينتفي ذلك عن ذوات كثيرة غير ممدوحة ، وإنّما كان مدحا من حيث انتفى من حيّ له صفات من يجوز مثل ذلك عليه في الشاهد.
ومثلوه أيضا بمدحنا له تعالى بأنّه موجود لم يزل ، فإن كان لا مدح في مجرّد كونه موجودا وقالوا : إن لزم على ما ذكرناه في التمدّح بنفي الإدراك في الآية ، أن نتمدّح بأنّه شيء عالم ، لزم المخالف مثله إذا مدحه بنفي السنة والنوم وغير ذلك ممّا أوردناه.
والذي يجب أن يحصل في هذا الموضع ، أنّ الصفة المنفية لا تمتنع أن تقتضي المدح بشرط متى لم يحصل لم يكن مدحا ، بل لا بدّ في كلّ مدح تعلّق بالنفي دون الإثبات من أن يكون مشروطا ، فلا بدّ في شرطه أيضا من أن يكون إثباتا ، وليس ذلك واجبا في المدح بالإثبات. ألا ترى انّا إذا مدحنا بنفي الجهل والعجز والظّلم ، فلا بدّ من اشتراط كون من نمدحه بذلك حيّا له صفات مخصوصة ، وفي الظّلم لا بدّ أن يكون قادرا عليه وله دواع إليه ، وقد استقصينا هذا الكلام في مسألة أمليناها متقدّما وبسطنا الكلام فيها ، وبيّنّا أنّ النفي إنّما فارق الإثبات في الافتقار إلى الشرط ، من حيث كان النفي أعمّ من الإثبات ، فلعمومه يتناول الممدوح وغير الممدوح ، والإثبات أخصّ منه ، فيستغني عن