وقع في الحال من أمير المؤمنين عليهالسلام ، وليس يمتنع أن نذكر في الجواب عن السؤال وجها آخر ـ وإن كنّا لا نحتاج مع ما ذكرنا إلى غيره ؛ لأنّه الظاهر من مذهب أهل العربية ـ وهو أن يقال : إن نزول الآية وخطاب الله تعالى بها يجوز أن يكونا قبل الفعل الواقع في تلك الحال ، فتجري اللفظة على جهة الاستقبال وهو الحقيقة ، بل الظاهر من مذاهب المتكلمين في القرآن انّ الله تعالى أحدثه في السماء قبل نبوّة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بمدد طوال وعلى هذا المذهب لم يجر لفظ الاستقبال في الآية إلّا على وجهه ؛ لأنّ الفعل المخصوص عند احداث القرآن في الابتداء لم يكن إلّا مستقبلا ، وإنّما يحتاج إذا كان القول في القرآن على ما حكيناه إلى أن تتأول ألفاظه الواردة بلفظة الماضي مما يعلم أنّه وقع مستقبلا ، وإلّا فما ذكر بلفظ الاستقبال لا حاجة بنا إلى تأوله لوقوعه على وجهه ، فأمّا لفظة «الذين» فإنّها وإن كانت موضوعة في الأصل للجمع دون الواحد فغير ممتنع أن تكون بالعرف وكثرة الاستعمال قد دخلت في أن تستعمل في الواحد المعظم أيضا على سبيل الحقيقة ، يدلّ على ذلك أنّ قوله تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ) (١) وما أشبهه من الألفاظ لا يصحّ أن يقال : أنه مجاز ، وكذلك قول أحد الملوك : «نحن الذين فعلنا كذا».
لا يقال إنّه خارج عن الحقيقة ؛ لأن العرف قد ألحقه ببابها ، ولا شكّ في أنّ العرف يؤثر هذا التأثير ، كما أثر في لفظة «غائط» (٢) وما أشبهها ، على أنا لو سلمنا أن استعمال لفظة الذين في الواحد مجاز وعلى وجه العدول عن الحقيقة لكنا بحمل الآية على هذا الضرب من المجاز أولى منكم بحملها على أحد المجازين اللذين ذكرتموهما في السؤال من وجهين :
أحدهما : أن المجاز الذي لم يشاهد في الاستعمال وجرت عادة أهل اللسان باستعماله أولى ممّا لم يكن بهذه الصفة ، وقد بيّنا الشاهد باستعمال
__________________
(١) سورة نوح ، الآية : ١.
(٢) فإن الغائط في الأصل المطمئن من الأرض الواسع ولما كان من يريد قضاء الحاجة يطلب ذلك المكان قيل : جاء من الغائط ثم نقلها العرف إلى المعنى المشهور حتى ترك المعنى الأول.