العرب بكونه من بني هاشم ؛ وأنه لقي من الأشراف من كان نازلا في المحلة المخصوصة التي عيّنها ، وإن أحدا لا يقول : إن ظاهر كلامه يقتضي إعطاء المال لكل العرب ، وأنه لقي أشراف بلده كلهم ، أو إشراف جميع الأرض ، ويدّعي أن القول المتقدّم لا يختصّ بتخصيص الصفة الواردة عقيبه ، فقد وجب بما ذكرناه أن يختص لفظ (الَّذِينَ آمَنُوا) بمن آتى الزكاة في حال الركوع ، كما وجب اختصاص ما استشهد به من المثالين.
فإن قال : أراكم قد حملتم الآية على مجازين أحدهما : أنّكم جعلتم لفظ الجمع للواحد ، والمجاز الآخر : حملكم لفظ الاستقبال على الماضي ؛ لأن قوله : (يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ) لفظه لفظ الاستقبال وأنتم تجعلونه عبارة عن فعل واقع ، فلم صرتم بذلك أولى منا إذا حملنا الآية على مجاز واحد ، وهو أن يحمل قوله تعالى : (وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) على أنه أراد به أن من صفتهم إيتاء الزكاة ، ومن صفتهم أنّهم راكعون ، من غير أن يكون إحدى الصفتين حالا للأخرى ، هذا إذا ثبت أنه إذا حمل على ذلك كان مجازا على نهاية اقتراحكم أو تحمله لفظة (إِنَّما) إذا عدلنا عن تأويل الركوع بما ذكرناه على المبالغة لا على تخصيص الصفة بالمذكور ونفيها عمّن عداه ، فنكون أولى منكم ؛ لأن معكم في الآية على تأويلكم مجازين ومعنا مجاز واحد.
قيل له : أما ظنّك أن لفظ «يؤتون» موضوع للاستقبال وحمله على غيره يقتضي المجاز فغلط ؛ لأن لفظة «يفعلون» وما أشبهها من الألفاظ التي تدخل عليها الزوائد الأربع الموجبة للمضارعة وهي الهمزة والتاء والنون الياء (١) ليست مجرّدة للاستقبال ، بل هي مشتركة بين الحال والاستقبال ، وإنما تخلص للاستقبال بدخول السين أو سوف ، وقد نصّ على ما ذكرناه النحويّون في كتبهم ، فمن حملها على الحال دون الاستقبال لم يتعدّ الحقيقة ، ولا تجاوز باللفظة ما وضعت له ، وعلى هذا تأولنا الآية ؛ لأنا جعلنا لفظة «يؤتون الزكاة» عبارة عما
__________________
(١) ويجمعها لفظة «أنيت».