«كبير اناس في بجاد مزمّل» (١)
لا حرف فيه حايل بين ما تعدّى إليه إعراب من غيره للمجاورة.
ومنها : أنّ الاعراب بالمجاورة إنّما استعمل في الموضع الذي ترتفع فيه الشبهة ويزول اللبس في الأحكام ، ألا ترى أنّ أحدا لا يشتبه عليه أنّ لفظة خرب من صفات الجحر لا الضب ، وأنّ الحاقها في الاعراب بها لا يوهم خلاف المقصود وكذلك لفظة مزمّل لا شبهة في أنّها من صفات الكبير لا صفة البجاد ، وليس كذلك الأرجل ؛ لأنّه من الجائز أن تكون ممسوحة كالرؤس فإذا اعربت باعرابها للمجاورة ولها حكم الأيدي في الغسل كان غاية اللبس والاشتباه ، ولم تجر بذلك عادة القوم.
ومنها : ولم نذكر هذا الوجه في مسائل الخلاف أنّ محصّلي أهل النحو ومحقّقيهم نفوا أن يكونوا أعربوا بالمجاورة في موضع من المواضع وقالوا : الجر في «جحر ضب خرب» على أنّهم أرادوا خرب جحره ، و
«كبير أناس في بجاد مزمّل»
كبيره [لأن المزمل من صفات الكبير لا البحاد ، (٢)] ويجري ذلك مجرى مررت برجل حسن وجهه.
وقد بيّنا أيضا في مسائل الخلاف بطلان قول من ادعى أنّ الغسل الخفيف يسمّى مسحا ـ وحكي ذلك عن أبي زيد الأنصاري (٣) ـ من وجوه كثيرة ، أقواها : أنّ فائدة اللفظتين في الشريعة مختلفة وفي اللغة أيضا ، وقد فرّق الله تعالى في آية الطهارة بين الأعضاء المغسولة والممسوحة ، وفصل أهل الشرع بين الأمرين ، فلو كانتا متداخلتين لما كان كذلك ، وحقيقة الغسل توجب جريان الماء على العضو وحقيقة المسح تقتضي إمرار الماء من غير جريان ، فالتنافي بين
__________________
(١) عجز بيت لامرئ القيس ، كما في مغني اللبيب لابن هشام ، ٢ : ٦٩٩ وانظر ديوانه : ٢٥.
(٢) ما بين المعقوفتين من الناصريات : ١٢٣.
(٣) المجموع ، ١ : ٤٢٠.