الحقيقتين ظاهر ؛ لأنّه من المحال أن يكون الماء جاريا وسائلا وغير جار ولا سائل في حالة واحدة ، وقد بيّنا في مواضع كثيرة من كلامنا أنّ المسح يقتضي إمرار قدر من الماء بغير زيادة عليه فلا يدخل أبدا في الغسل.
ومن أقوى ما أبطل هذه الشبهة أنّ الأرجل إذا كانت معطوفة على الرؤس كانت الرؤس بلا خلاف فرضها المسح الذي ليس بغسل على وجه من الوجوه فيجب أن يكون حكم الأرجل كذلك ؛ لأنّ العطف مقتض للمسح وكيفيته ، وقد بيّنا أيضا في مسائل الخلاف أنّ القرائة في الأرجل بالنصب لا تقدح في مذهبنا ، وأنّها توجب بظاهرها المسح في الرجلين ، كايجاب القراءة بالجر بظاهرها ؛ لأنّ موضع برؤسكم موضع نصب بايقاع الفعل وهو قوله تعالى : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) وإنّما جرت الرؤس بالباء الزائدة ، فإذا نصبنا الأرجل فعلى الموضع لا على اللفظ ، وأمثلة ذلك في الكلام العربي أكثر من أن تحصى ، يقولون : لست بقائم ولا قاعدا فينصبون قاعدا على موضع قائم لا لفظه ، كذلك يقولون : حشيت بصدره وصدر زيد.
ومثله قوله تعالى : (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ) (١) بالجزم على موضع فلا هادي له لأنّه موضع جزم (٢).
وأنشدوا :
معاوي اننا بشر فاسجح |
|
فلسنا بالجبال ولا الحديدا (٣) |
فنصبت على الموضع (٤) ، وقال الآخر :
هل أنت باعث دينار لحاجتنا |
|
أو عبد ربّ أخاعون بن مخراق (٥) |
__________________
(١) سورة الأعراف ، الآية : ١٨٦.
(٢) الناصريات : ١٢٤ ، قال في مجمع البيان ٤ : ٧٧٤ : قرأ أهل العراق : يذرهم بالياء والجزم كوفي غير عاصم والباقون ونذرهم بالنون والرفع.
(٣) البيت لعقبة بن حارث الأسدي ، الجامع للشواهد : ٣ : ٣٣.
(٤) الانتصار : ٢٣.
(٥) شرح ابن عقيل ، ٢ : ١٢٠.