(وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) بما تشتمل عليه من أسرار الإبداع ، وعظمة الخلق ، وروعة القدرة ، التي تفتح فكر الإنسان وروحه ، على عظمة الله سبحانه ، وتقوده إلى الإيمان من أقرب طريق باقتحامها عليه كل حواسّه ، وكل فكره ، وحياته ، فلا يشعر إلا والإيمان قد نفذ إلى كيانه من جانب الشعور ، ومن جانب الفكر ، ومن حركة الحياة في داخله تماما ، كما هي الروائح العطرة التي تدخل إلى مسامّ الجسد فيشعر الإنسان بها ، كما لو كانت شيئا في الفكر ، وفي الروح والشعور ، ولكنهم (يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ) فلا يتطلعون إليها بأبصارهم ولا يصغون إليها بقلوبهم ، ولا يتأملون فيها بأفكارهم وعقولهم ، وبذلك يغلقون على أنفسهم كل باب للهدى ، وكل نافذة للإيمان.
* * *
الإيمان بالتوحيد يخضع لحسابات دقيقة
(وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) ربّما يؤمن هؤلاء ، ولكنه الإيمان الذي يمثل حالة فكرية ، لا تلامس الشعور ، أو حالة نظرية لا تتحرك في الواقع ، أو حالة عاطفية لا تؤكدها الإرادة ، ولهذا فإن الإيمان عندهم لا يتحول إلى موقف يحدد موقعهم من كل الحالات المحيطة بهم ، بل هو مجرّد شبح في الذاكرة وصورة في الذهن. أما الواقع فإنه يحتضن الكثير من أوضاع الشرك في الطاعة ، عند ما يعصون الله ، ويطيعون غيره ، رغبة أو رهبة ، أو حينما يستغرقون في تعظيم ذات بشريّة ، حتى يصلوا بها إلى مستوى التأليه ، أو ما يقرب منها ، ويتوجهوا إليها في ابتهالاتهم كما يتوجهون إلى الله ، وينسبوا إليها الأفعال التي لا تنسب إلى الله.