على استنفاد كل التجارب ، لينتظر الفرج الكبير من خلالها ، أو من خلال الغيب ، فلا يستسلم لليأس عند ما تحاصره عناصره من كل جهة.
وبهذا يبقى للمؤمن في حياته ، عين على الواقع حيث يخوض التجربة ، وعين على الغيب متفائلا بالأمل الكبير القادم من غيب الله. وهكذا كان جواب الملائكة لزوجة إبراهيم ، للإيحاء بذلك كله : (قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ) وهو الذي يفعل ما يشاء ويحكم بما يريد ، (رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ) في ما أفاض عليهم من نعمه وألطافه السالفة ، وفي ما يفيضه عليكم في الحاضر والمستقبل. وإذا انطلقت رحمة الله وبركاته في حياة الإنسان ، فإنها تفتح له كل الأبواب ، وتيسّر له كل عسر ، وتأتي إليه بالعجائب على أكثر من صعيد ، (إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) فله المحامد كلها في ذاته ، وفي ما يرحم به عباده ، وله المجد كله ، في ما يملكه من قدرة ، وفي ما يتّصف به من عظمة.
* * *
إبراهيم عليهالسلام يتشفع لقوم لوط
(فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى) فاطمأنّ إلى هؤلاء المحيطين به ، وشعر بالراحة لوجودهم معه ، فهم الملائكة المقرّبون إلى الله الذين جاءوا إليه ببشارة الوليد المرتقب ، والحفيد المؤمّل ، ولذلك أخذ حرّيته في الحديث ، وبدأ يدافع عن قوم لوط ، ليصرف العذاب عنهم ، أملا في هدايتهم في المستقبل ، لينالوا رحمة الله ، وذلك في ما حكاه الله عنه : (يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ) إما باعتباره حالا ماضية ، «أو بتقدير فعل ماض قبله وتقديره ، أخذ يجادلنا إلخ ، لأن الأصل في جواب «لما» أن يكون فعلا ماضيا» (١) ، كما في تفسير الميزان ، (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ) لا يحب المعاجلة في العقوبة والانتقام ،
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ١٠ ، ص : ٣١٤.