على قاعدة التوحيد تواجه الانحرافات
وهذه قصة نبيّ آخر أرسله الله إلى قومه ليعالج واقع الانحراف الفكري والعملي ، لا سيّما ما يتعلق منه بالجانب الاقتصادي المتمثل بالتطفيف في المكيال والميزان ، باعتبار أن ذلك يمثّل الروحية المظلمة المليئة بالأنانية ، التي لا تنظر إلا إلى حماية مصالحها ، ولو كان ذلك ، على حساب مصالح الآخرين. وقد أراده الله أن يعالج الانحراف بتركيز الخط على القاعدة الإيمانية التي تربط الإنسان بالله في كل أموره ، لينظم بالتالي علاقته بكل مفردات الحياة ، وبكل أفراد الناس. وهذا هو الخط المستقيم في عملية الإصلاح ، فإنك لن تستطيع أن تصل إلى النتيجة الحاسمة في القضاء على الظاهرة المنحرفة من خلال معالجتها بطريقة مباشرة في نطاق حدودها الضيّقة ، لأن العوامل الانحرافية يمكن أن تطوّق عمليّة الإصلاح بأكثر من أسلوب ، وبأكثر من جوّ ، ولهذا فإن الأنبياء الذين يرسلهم الله إلى بعض الشعوب التي تعيش انحرافا معيّنا ، ينطلقون في توجيههم من التأكيد على القاعدة التي يخضع لها الحل ، لا على ظاهرة الانحراف بشكل مستقل ، كما نلاحظ ذلك في قصة لوط مع قومه ، وفي قصة شعيب مع قومه ، هذه التي نواجهها الآن في حديث هذه الآيات.
(وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) فإن توحيد العبادة لله ، في ما يوحيه من رفض لكل شريك له ، على مستوي العقيدة أو العبادة ، يوحد الذهنية والموقف والحركة في هذا الاتجاه ، ويحقّق للإنسان المؤمن الانضباط على الخط ، في الدائرة التي يتحرك فيها الإيمان ويطوف فيها وحي الله ، وهذا ما استوحاه شعيب في تركيزه على معالجة الظاهرة من خلال التوحيد ، (وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ) فإن الله لا يرضى بذلك ، لأن هذا