للمسألة ، وهي المسؤولة الأولى عما حصل ، ولكنها عاشت يقظة ضمير ، ووقفت وجها لوجه أمام الحقيقة ، (قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُ) وظهر ، ولا بدّ لي من الاعتراف به ، لما أعيشه من تأنيب الضمير ، نتيجة ما سببّته له من آلام ومشاكل خارج السجن وداخله ، جراء الاتهامات الباطلة التي نسبتها إليه في محاولة الاعتداء عليّ ، (أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) في نفيه التهمة عن نفسه ، وإثباتها عليّ ... وهكذا حصل يوسف على الاعتراف الواضح الصريح بشكل لا يقبل الشك ، (ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) ولم أتحدث عنه بسوء في غيبته ، فلم يحصل مني ضدّه أي كلام سيئ إلا ما قلته في حضوره في بداية الأمر ، فقد أخطأت معه ، ولكني لم أخن سمعته ، لأني أعلم أن الخيانة لا تجدي نفعا ، (وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ) بل يكشف كيدهم بأكثر من وسيلة ، فيقفون في موقف الخزي والعار أمام الجميع ، وهذا ما لا أريده لنفسي.
(وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي) في ما عملته وأقدمت عليه ، لأنها ككل النفوس التي تتحرك فيها الغرائز ، وتثور فيها الشهوات لتدفع أصحابها إلى الخطيئة ، (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) بما يكمن في داخلها من نوازع السوء وتهاويله ، (إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي) في ما يعصم الإنسان ، ويثيره في نفسه من عوامل الهداية ، (إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) يغفر الذنب لمن تاب وأناب إليه ، ويرحم عبده الذي يسقط أمام نقاط الضعف ، ثم يحاول أن يستقيم ليتابع السير في خط الطاعة والإيمان.
* * *
يوسف عليهالسلام يخضع المجتمع لإيمانه القوي
وهكذا وقفت هذه المرأة المتمرّدة المتعالية ، خاشعة أمام الله ، في موقف نقد ذاتيّ يدفعها إلى الجهر بالحقيقة التي كانت تحاول إخفاءها وإلصاق التهمة