إعطاء المواثيق
وتمت المسألة بسلام ، وحصلوا على الموافقة ، التي أرادوها في شأن إرسال أخيهم معهم ، وبدأوا يفتحون الأكياس ، وهنا كانت المفاجأة ، فهذا هو متاعهم الذي دفعوه للعزيز بدلا عن الطعام الذي اشتروه منه بمثابة الحجة القاطعة على ما يؤكد الثقة بالعزيز ، وحسن إخلاصه لهم ، وأنه لا يريد بهم إلا خيرا ، (وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي) وما نريد أكثر من هذا الذي فاجأنا الآن ، ولم نكن على علم به عند ما فارقنا العزيز ، (هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا) فلننطلق على بركة الله من موقع الثقة ، بقلب قويّ مطمئن (وَنَمِيرُ أَهْلَنا) ونجلب لهم الطعام ، (وَنَحْفَظُ أَخانا) بما نحفظ به أنفسنا من كل سوء ، (وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ) في ما نؤمله من كرم العزيز الذي شاهدناه ، (قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ) فقد كان القلق يفترس مشاعره ، ويأكل قلبه ، مما جعله يعيش الصراع بين الإذن لهم في اصطحابه معهم ، وبين الامتناع عن ذلك ، لأن تجربته السابقة معهم كانت حاضرة في ذهنه وقلبه وتوحي له بعدم الثقة بهم. إنه يبحث عن أساس للثقة ، لا مجال لتحصيله إلا بالكشف عن المستقبل من خلال الغيب ليحصل على الاطمئنان ، فطلب منهم أن يعطوه المواثيق على الالتزام بحمايته ، بكل ما يملكون من إمكانات ووسائل ، بحيث يستنفدون كل إمكاناتهم في هذا السبيل ، ولا يبقى لهم مجال لاستخدام أية وسيلة ممكنة إلا إذا كان هناك جمع كبير يحيط بهم مما لا يستطيعون الثبات أمامه ، وهذا ما يعذر به الناس في مثل هذه الأمور. وهكذا طلب منهم أن يحلفوا ، ويعطوا المواثيق والعهود على ذلك كله (فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قالَ اللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ) فهو الشاهد على ذلك ، وهو الكفيل بإتمامه ، لأنه المهيمن على الأمر كله.
* * *