ومصادره.
(فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) لأن أوّل خطوة يخطوها الإنسان على طريق تصحيح الخطأ وتقويم الانحراف عن خط الإيمان ، هي الوقفة المعترفة النادمة المعبرة عن حالة التراجع ، وذلك بالاستغفار الذي يتوسل فيه الإنسان إلى الله ، أن يقبله ضمن من غفر له ذنوبه ، وبالتوبة التي تعبّر عن حالة الندم العميق على الماضي ، والعزم على التصحيح في المستقبل ، ليبدأ السير في الخط المستقيم الجديد من حاضر لا يثقله الماضي ، ومن روح لا ترهقها الذكريات السوداء ، لأن التوبة تمحو ذلك كله ، ولأن الغفران يحوّل ظلمة المعصية إلى إشراقة الطاعة ، (إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ) فهو ليس بعيدا عن دوافع المعصية في الإنسان ، من شهوات وأهواء قد تغلبه ، لأنه خالقه ، وهو ليس بعيدا عن تطلّعات الإنسان للمغفرة ، وأحلامه في الرحمة ، فهو قريب إلى روحه وفكره وشعوره وحياته ، بحيث لا يوجد أقرب إليه منه. فيلجأ إليه لحل كل مشكلة ، ولإقالة كل عثرة ، ولتخفيف كل همّ وألم. فهو المجيب لكل دعواته وطلباته للرحمة وللمغفرة في شؤون الدنيا والآخرة ، وذلك هو الطريق المستقيم.
* * *
دعوة صالح تصدم القوم
ولكن القوم يواجهونه ـ عوضا عن الإيمان بالرسالة ـ بخيبة أملهم فيه ، فقد كانوا يجدون فيه الشخص العاقل الوديع الذي يفكر بالأمور بطريقة معقولة موزونة ، فلا يبتعد في تفكيره عن واقع المجتمع ، ولا يتمرّد على تقاليده ، ولا يسيء إلى أوضاعه ، كما هو شأن كل الرموز الاجتماعية المحترمة ، التي تكسب احترامها من محافظتها على التوازن في العلاقات الاجتماعية بما لا يزعج الساحة ولا يتنكر للمألوف. ولهذا فقد كانت دعوة صالح لهم بمثابة الصدمة التي أخذتهم بعنصر المفاجأة.
* * *