محاولات غير مجدية لاحتواء الرسول
(إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) بما تملكه من هدوء الطبع وسعة الأفق ، وعمق النظرة للأمور بحيث تراعي الموازين الحقيقية للأشياء ، فكيف صدر منك هذا التصرف ، وهذا الكلام الذي يدل على النزق ، وعلى عدم الحكم السليم على القضايا؟ إنهم يحاولون بهذا الأسلوب القيام بعملية تطويق عاطفيّ ، واحتواء نفسي له ، بإثارة شعوره بمكانته الرفيعة عندهم ، كي يقوده ذلك إلى التراجع عن موقفه ، ليحتفظ بهذه المكانة ، كما هو شأن الكثير من الناس الذين يريدون الحصول على ثقة المجتمع ، بالانسجام مع ما يحب ويرغب. ولكن أنبياء الله لا يعيشون لأنفسهم ، بل يعيشون لرسالتهم ، ولذلك فإنّهم لا يتنازلون عن خط الرسالة لحساب الذات ، وإذا أرادوا الوصول إلى ثقة المجتمع ، فإنما يريدونها على أساس الثقة بالرسالة ، لتكون قيمة الذات ، في ما تجسّده من السلوك الرساليّ ، لا في ما تجسّده من صفات الذات ، ولذلك رأينا النبيّ شعيبا يقف أمامهم بقوّة من دون أيّ تأثّر عاطفيّ بما قالوه.
* * *
بيّنات ... وأهواء
(قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) لما أعيشه في مسألة الإيمان من وضوح الرؤيا والدلائل والبينات التي أكرمني بها الله ، إلى درجة عدم إحساسي بأيّ حالة من حالات الشك والريب في صحة ما أنا عليه ، وفي صدق ما أدعو له ، (وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً) بما أغدقه علي من نعمه وألطافه ، وبما رزقني من رسالته ، فلا بد لي من أن أقف لأدعو ، وأتحرّك لأتحدّى بالأسلوب الذي يحقق القناعة للفكر ، ويركّز القوة للموقف ، ويبعث الامتداد في الدعوة ،