تسمح بذلك. (وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَ) في أمر حاسم صادر من السيدة لعبدها ، فخرج إليهن ، لأن موقعه يفرض عليه الطاعة لسيدته ، فإذا بالزلزال الروحي والعاطفي والشهواني يهزّ كل كيانهنّ ، ويسيطر على كل مشاعرهنّ ، في اندفاعة ساحقة ، (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ) لإشراقة وجهه وجمال صورته ، وسحر ملامحه ، وحلاوة شخصيته.
* * *
الدخول المفاجئ
لقد كان ذلك كله مفاجأة لهن ، لأنهن كن يتصورنه على صورة العبيد الذين لا يملكون أيّة ميزة جمالية ، ولهذا كنّ ينكرن على امرأة العزيز أن تراود فتاها عن نفسه ، وأن تعشقه ، وقد لا يكون ذلك الإنكار ناشئا من احترامهن للأخلاق والعفّة ، لأن مجتمعهن الطبقي لا يعير ذلك أهمية ، بل قد يكون ناشئا من اعتبار موقفها شذوذا في التصرّف ، وانحرافا في الذوق تستسلم معه المرأة الكبيرة ، لعبد لا جمال فيه أو إثارة ... أما الآن ، فقد وجدن لها كل العذر ، لأنهن وقفن أمام هذا الجمال الباهر العظيم في ذهول وانجذاب ، فقدن معه السيطرة على مشاعرهن ، ووعيهن ، حتى لم يعدن يعقلن ماذا يفعلن ، فعند ما رأينه ، تركن تقطيع الفاكهة بالسكاكين التي قدمت لهن لذلك ، (وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَ) من دون شعور ، فإذا بالدماء تسيل ، وهن لا يشعرن بالألم أمام سكرة النشوة بهذا الجمال ، (وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ) في تعبير يستنكر وصفه بالكلمات المألوفة التي تجعله من صنف البشر ، كأنهن يقلن حاش لله أن يكون كذلك في ما يقوله الناس عنه ، (ما هذا بَشَراً) لأن البشر لا يملكون مثل هذا الجمال الروحي الذي لا مثيل له ، (إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) في ما يتصورن به الملائكة من السموّ في الجمال الخارق الذي لا يدانيه جمال في الكون ، لأنهم يمثلون أقصى حدود الروعة في التكوين.
* * *