حاجة في نفس يعقوب!
وبذلك استطاع أن يوحي لنفسه بالثقة ، فارتاحت مشاعره من الشك والقلق ، وانسابت عاطفته ، لتحتوي أولاده كلهم من جديد ، عند ما أراد أن يودعهم ، فقد خاف عليهم من حسد الحاسدين ، لما يمكن أن يثيره دخولهم دفعة واحدة إلى المجلس الذي يجتمع إليه الناس من الدهشة والإعجاب بهذه المجموعة من الإخوة الرجال الذين يملكون القوّة في الجسد والتوافق في الرأي ، والوحدة في الموقف ، فأراد أن ينصحهم بنصيحة أبويّة تبعدهم عن أجواء الحسد الذي يبعث على الكيد والتآمر من قبل الحاسدين.
(وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ) فإن ذلك قد يشكل إثارة في نفوس الحاضرين ، فيؤدي إلى ما لا تحمد عقباه ، (وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ) كي تضيع الصورة الحقيقية القوية بذلك ، ولا تلفتوا الأنظار إليكم. وليس في هذا ما يمنع القضاء إذا أراد الله له أن يحدث ، ولكنه قلق الوالد على أولاده الذي يبحث عن أية وسيلة لحمايتهم ، عبر رعايته المباشرة لهم أو عبر تزويدهم بوصايا ونصائح تكفل لهم ذلك ، (وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) إن أراد بكم سوءا فهو المالك لكل شيء ، (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) في كل أمور عباده ، (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) في جميع أموري ، (وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) في إرجاع كل القضايا إليه ، فهو المعوّل عليه في الشدّة والرّخاء.
(وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) لأن مثل هذه الوسائل لا تمنع الخطة المرسومة التي يريد الله للناس أن يخضعوا لها في قضائه وقدره في علاقة المسبّبات بالأسباب ، فإذا أراد الله شيئا هيّأ أسبابه. وهكذا لم يرد يعقوب أن يغيّر القضاء ، أو يعطّل الأسباب (إِلَّا حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها) في ما كان يريده لهم من تحفظ يبعدهم عن المشاكل من