واضحة. وهكذا كان منسجما مع خط الإيمان عند ما نادى نداء المتوسل المستفهم ، وكان الرّد الإلهيّ منسجما مع ما أراده الله له من العصمة ، كأسلوب من أساليب تربية الله لأنبيائه ليمنع عنهم الانحراف العاطفيّ ، قبل حدوثه ، إذا ما كانت الأجواء جاهزة لذلك ، لو لا لطف الله بهم ، وقد تكون الشدّة في الردّ لونا من ألوان التأكيد على ذلك.
وكان الانسجام النبويّ مع خط التربية الإلهيّ رائعا في التعبير عن روحية الخضوع والخشوع بالكلمات المستغفرة المسترحمة الخائفة من الخسران ، خشية أن يكون في هذه الحالة المستفهمة المتأمّلة بعضا من ذنب ، وإن لم يكن ذنبا ، أو بعضا من تمرّد ، وإن لم تكن كذلك ، ومن الطبيعي ألّا يبتعد ذلك عن خطّ النبوّة المستقيم الذي عاش العمر كله جهادا في سبيل الدعوة إلى الله ، تحت رعاية الله ، ووقف الآن في خط الاستقامة محاولا إخضاع كل عواطفه لروحيتها بتوفيق الله وبرحمته.
* * *
مهبط السلام
(قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ) فقد منحه الله نعمة السلام الروحيّ المتمثل في الطمأنينة النفسية التي تشيع في داخله ، والسلام الإلهيّ الذي يتمثل في رحمة الله المرفرفة حوله. كما أعطاه نعمة البركات الفيّاضة التي تجعل منه عنصر خير ونفع للناس وللحياة من حوله ، (وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ) أي واهبط أنت وأمم معك بسلام منا وبركات ، لأنهم اتبعوك وآمنوا بك ، وشاركوك في خط جهادك الطويل ، فكان لهم من الخير والثواب ما كان لك ، (وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ) وهذه جملة مستأنفة تشير إلى أن المستقبل سيتمخّض عن أمم