مصالحهم ، لا من أجل حماية خط تفكيرهم.
* * *
التصور الديني للحياة
(وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) وتلك هي الدعوة الواحدة التي تلخّص كل شرائع الله وكل تعاليمه ، فالله هو المنطلق في كل شيء ، والمرجع في كل أمر ، فله الخضوع كله ، وله الأمر كله. وهذا هو جوهر التصور الديني للحياة ، فإما أن يكون الإله الذي يلتقي الكون أمامه هو الله ، وإما أن يكون غيره ، ولكلّ منهما خطوط وآفاق وتعاليم وأهداف ... فلا مجال للشركة ، ولا مجال للتبعيض.
(هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) فمنها خلقتم ، فأنتم جزء من ترابها ، ولكن بصورة أخرى ، تتحرك فيها الحياة ، وينطلق معها الفكر ، (وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها) أي وطلب منكم عمرانها وإحياءها ، بما تملكونه من طاقات الفكر وإمكانات العمل ، للاستمرار في العيش ، لأن للعيش شروطا ، لا بد للإنسان من توفيرها وتحصيلها إذا وجّه طاقاته نحوها ، وهذا ما سخّره الله للإنسان في ما أودعه في الأرض من ثروات ، وفي ما أعدّه من أدوات ، ومكّنه فيها من قدرات.
وفي هذا الجو ، لا بد للإنسان من عيش الإحساس العميق بالارتباط بالله ، عند استجابته لدعوة الأرض للارتباط بها ، ليعرف بأنّ ارتباطه التكويني بالأرض من خلال قدرة الله ، يفرض عليه الانفصال العملي عنها ، عند ما تقوده إلى التمرّد على الله ، أو عند ما تثير فيه ميل الاستسلام للشهوات ، بعيدا عن خط المبادئ ، وحركة الرسالات ، لأن الله ، الذي خلق الأرض ، وخلق الإنسان منها ، هو الذي يحكم في كل ما يدور فيها ، ويتحرك عليها ، لأنه صاحب السلطة في ذلك كله ، وهو العالم بالصلاح والفساد في جميع موارده