المواقف ، والابتعاد عن مواقعنا التاريخيّة المرتبطة بالآباء والأجداد. هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فإن من يريد تغيير المجتمع على أساس دعوته لا بد من أن يملك القوة الاجتماعية التي تفرض على الناس اتباعه ، والخضوع له ، لأن قضية التغيير تمثل نوعا من أنواع القوّة التي لا تملكها بيننا ، (وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً) فأنت لا تملك قوّة ذاتية جسدية أو ماليّة ، أو معنويّة ، تعزز موقفك ، (وَلَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ) فأنت تملك نفرا قليلا من عشيرتك ، وهو ما يعبّر عنه بكلمة الرهط ، نراعي موقفهم ونحترم موقعهم ، ولذلك فإننا لا نسيء إليك ، لأننا لا نريد الإساءة إليهم ، كونهم انسجموا مع موقفنا منك ، فلم يتبعوك في ما تدعونا إليه (وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ) فليست لك أيّة منعة أو عزة أو كرامة ، مما يجعلنا ننظر إليك نظرة استهانة واحتقار ، فلا نعبأ بك ولا بما تقول.
ولكن شعيبا لا يتراجع عن موقفه ورسالته ، بل يتابع العمل على تصحيح مفاهيمهم الخاطئة والمنحرفة عن الخط المستقيم (قالَ يا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللهِ) ، مما يدفعكم إلى احترامي لحساب قومي ، ولا تستجيبون لما أبلّغكم به من رسالات الله ، لحساب الله ربكم وربي ، فأيّ منطق هو هذا المنطق الذي توازنون من خلاله بين عباد مخلوقين ، هم رهطي ، وبين رب العالمين جميعا ، فتشعرون بالتعاطف مع هؤلاء ، وتتركون مراقبة الله القوي القادر القاهر الجبّار ... (وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا) أي جعلتموه وراء ظهوركم ، كناية عن نسيانه وعدم الاعتناء به ، وهذا منتهى السفه في التفكير وفي العمل ، يفقد معه الإنسان اتزانه في تقييم الأشياء ، وتقدير موازين القوّة ، ومواقع القدرة. (إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)
* * *
وقفة العزّة
ثم يقف شعيب وقفة القوّة والعزّة التي يستمدها من إيمانه بالله وتوكله