(فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ) واستراحوا إليه ، وأخذوا يحدثونه عمّا قالوه وما عملوه ، وما جاءوا به من الطعام ، وما لقوه من العزيز من حسن وفادة وجميل رعاية ، حتى إذا وصلوا إلى حديث العودة من جديد ، للحصول على ما يحتاجونه من الطعام مرّة ثانية ، بعد نفاد ما جاءوا به ، ذكروا له الشرط الصعب الذي اشترطه العزيز عليهم ، (قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ) في المرة الثانية ، إلا أن يكون معنا أخونا غير الشقيق ، ليكتمل عددنا أمام العزيز ، (فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ) الطعام الذي نحتاج إليه ، لأن ذلك هو السبيل الوحيد للحصول على الكيل ، (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) في تأكيد يستهدف زرع الثقة في نفسه من خلال المواثيق التي يعطونها له ، لإذهاب القلق من نفسه.
* * *
الله خير حافظا
(قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ) فقد أكدتم لي ما تحاولون تأكيده الآن بالأيمان المغلّظة والمواثيق المؤكدة ، وسقطت كل تأكيداتكم أمام المأساة التي لم تستطيعوا تقديم حجة قاطعة لي تثبت براءتكم منها في ما أقدمتم عليه ، أو في ما قصرتم به. ولكن ماذا أفعل أمام إلحاحكم الشديد ، في ظل ما نعيشه من أزمة خانقة ، لا تسمح لي بحرية اختيار ما أريده ، وما لا أريده. ولكن تعجّبي من هذا الشرط لا ينقضي ، فما علاقة العزيز بأخيكم ، وما دخل عملية الكيل التي هي عملية محض تجارية بهذا كله؟ فلأسلّم الأمر إلى الله ، فأرسله معكم ، مبتهلا إليه تعالى أن يحفظه من كيد الكائدين ، وبغي الظالمين ، فهو الملاذ في كل الأحوال ، (فَاللهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) فليس لنا إلا رحمته التي وسعت كل شيء ، منها وجودنا ومنها استمرار كل نعم الحياة حولنا.
* * *