يستريح إليه السجين ويرتاح للحديث معه ، ليخفّف من وحشته ، وهكذا بدأ الحديث في شؤون كثيرة متنوّعة ، وكان هذان الشخصان قد شاهدا في منامهما ، حلمين غريبين أثارا في نفسيهما القلق والحيرة ، لأنهما لم يستطيعا فهم السرّ الذي يكمن خلفهما فأحبّا أن يحدّثا يوسف عنهما ، فلعلهما يجدان لديه التفسير الواضح الذي يكشف لهما هذا الغموض ، فقد لاحظا امتلاكه لفكر هادئ ، وعقل متحرك ، وشخصية حكيمة ، وهذا ما جعلهما يمنحانه الثقة الكبيرة.
* * *
إحسانه جذبهما إليه
(قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً) ولم أستطع معرفة المضمون الواقعي لذلك في ما يحيط بحركة الحياة من حولي ، (وَقالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ) فما معنى الخبز؟ وما سرّ حمله على الرأس؟ وماذا يمثل أكل الطير منه من رمز؟ فهل هو رمز للنعمة أو للعطاء ، أو هو رمز للنقمة والفناء؟ (نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ) لأن للأحلام تأثيرا في الكشف عن حركة الإنسان في المستقبل ، بما توحيه من تشاؤم أو تفاؤل يعرّف الإنسان كيف يحدد اتجاه موقفه ، (إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) الذين يحبون أن يعطوا من مواقع ما يعرفون ، فلا يبخلون بالمعرفة على من يحتاج إليها ، لأن ذلك هو معنى الإحسان الذي ينطلق من حسّ الخير في الإنسان ، تجاه من حوله.
وقد جاء في بعض الكلمات التفسيرية عن الإمام جعفر الصادق عليهالسلام ـ في ما روي عنه ـ في قوله : (إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) قال : «كان يقوم على المريض ، ويلتمس المحتاج ، ويوسّع على المحبوس» (١). وربما كانت هذه
__________________
(١) بحار الأنوار لدرر أخبار الأئمة الأطهار ، دار أحياء التراث العربي ، ط. الأولى ١٤١٢ ه ـ ١٩٩٢ م ، م : ٥ ، ج : ١٢ ، ص : ١٤٧ ، باب : ٩ ، رواية : ٥.