(وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها) بجميع من يعيش فيها من أفراد ، (وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها) أي القافلة التي تضمّ الإبل ، (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) في كلامنا عن أخينا وما حدث لنا بسببه من الخزي والعار ... لقد علّمهم كبيرهم أن يقولوا ذلك لأبيهم ، كي يحاصروا بذلك كل جوانب الرفض عنده ، فدخلوا على أبيهم ، وتحدثوا إليه بذلك كله ، وكان ذلك بمثابة الصدمة الكبيرة له ، ولكنه يعرف أخلاقيّة ولده ، فقد ربّاه أحسن تربية ، ورعاه أفضل رعاية ، وخبر كل ما يحمله من خلفيات طيّبة ، ولذلك فقد كانت حكاية سرقته لصواع الملك أمرا لا يمكن أن يصدّق ، لأن السرقة ليست خلقا لديه ، ولا تمثّل حاجة عنده ، فلما ذا يسرق؟ وكيف ذلك؟
* * *
الصبر الجميل والإحساس بالفرج
لهذا كان رد فعله مختلفا عما كان أولاده يأملونه ، بعد تقديم كافة البراهين له ، (قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً) إن هناك شيئا ما في هذه القضية ، ولا بد من وجود خلل ما في بعض التفاصيل ، فهو لا يثق بأولاده ، بعد ما صدر عنهم في قصة ولده يوسف. إنّ هناك غموضا في الجوّ ، وعليه أن يتماسك أمام الفاجعة ، فلا يواجهها بالانفعال السريع ، بل بالصبر ، لذا أعلن لهم عن مشاعره ، وموقفه ، (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) وللصبر نتائجه الطيبة على مستوى عواقب الأمور ، واستطاع الصبر أن يفتح قلبه على آفاق الفرج الكبير في ساحات رحمة الله.
وها هي صورة يوسف تلمع في ذهنه فلا يلمح فيها أيّ شحوب يقربها من أجواء الموت ، وها هي صورة أخيه تلتقي بصورته ، فهل هي صدفة أو أن هناك وحيا ربّانيا يهمس في قلبه أن المشكلة تقترب من الحل ، وأن اللقاء بهما قريب ، وأنّ شمل العائلة سيجتمع في الأجواء الحميمة التي تخفّف الآلام ،