وزعمهم أن الذئب قد أكله ، ثم بيع القافلة ـ التي اكتشفت وجوده في البئر ـ له ، وغير ذلك من الأمور التي لم يكن النبي حاضرا فيها ، ولا سمعها من أحد ، في ما خططوا له ، (وَهُمْ يَمْكُرُونَ).
وهذا ما أراد الله أن يثيره أمام القوم هناك كسبيل من سبل التحدي لما يعرفونه ، ولما لا يعرفونه مما يؤكد لهم أن ذلك كله وحي من الله ...
* * *
الإرادة الصلبة والقلب الكبير
وهكذا تنتهي قصة يوسف ، في هذه السورة ، لنرى فيه ملامح الإنسان المؤمن الواعي المنفتح ، الذي يملك الإرادة الصلبة الصامدة ، أمام كل عوامل التهديد والإغراء ، بفضل إيمانه القويّ الذي ينمو معه في كل لحظة ، لشعوره العميق بمراقبة ربه ، وبحضوره في كل ما حوله ومن حوله ، ثم تستوقفنا فيه دقّة الملاحظة ، وسرعة الحركة ، وعمق الحيلة ، إذا ما أراد الوصول إلى مراده دون أن يسيء إلى مبادئه. كما يدهشنا ذلك القلب الكبير الذي لا يتعقّد ولا يحقد ، بل يحاول أن يذكر الذين أساءوا إليه ، ليعفو عنهم ، وليستغفر لهم ، كما فعل مع إخوته. وبعد ذلك نجد فيه الإنسان الذي شعر دائما ، بموقع نعم الله عليه في حياته ، في ما يتذكره من ماضيه ، وفي ما يعيشه في حاضره ، وفي ما يتمناه لمستقبله ، وأخيرا نتوقف عند ذلك الموقف المبتهل إلى الله ليذكر آلاءه ، وليمجّده في ذلك كله ، وليشكره عليه ، في خشوع العبد ، وخضوع العابد.
* * *