بتشديد العين فعل طلب والباقون باعد طلب أيضا من المفاعلة بمعنى الثلاثي. وقرأ ابن الحنفيّة (١) وسفيان بن حسين (٢) وابن السّميفع بعد (٣) بضم العين فعلا ماضيا والفاعل المسير أي بعد المسير ، و «بين» ظرف وسعيد بن أبي الحسن كذلك إلا أنه ضمّن (٤) نون بين جعله فاعل «بعد» فأخرجه عن الظرفية(٥) ، كقراءة (تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) [الأنعام : ٩٤] رفعا. فالمعنى على القراءة المتضمنة للطلب أنهم أشروا وبطروا فلذلك طلبوا بعد الأسفار (٦) ، وعلى القراءة المتضمنة للخبر الماضي يكون شكوى من بعد الأسفار التي طلبوها أولا (٧) وقرأ جماعة كبيرة منهم ابن عباس وابن الحنفية ويعقوب (وعمرو) (٨) بن فايد : «ربّنا» رفعا على الابتداء بعّد بتشديد العين فعلا ماضيا خبره (٩) ، وأبو رجاء والحسن ويعقوب كذلك إلا أنه «باعد» بالألف (١٠) والمعنى على هذه القراءة شكوى بعد أسفارهم على قربها ودنوّها تعنّتا منهم وقرىء : «بوعد» مبنيا (١١) للمفعول. وإذا نصبت «بين» بعد فعل متعد من هذه المادة في إحدى هذه القراءات سواء أكان أمرا أم ماضيا فجعله أبو حيان منصوبا على المفعول به لا ظرفا قال : «ألا ترى إلى قراءة من رفع كيف (١٢) جعله اسما»؟ قال شهاب الدين : إقراره على ظرفيته أولى ويكون المفعول محذوفا تقديره بعد المسير بين أسفارنا. ويدل على ذلك قراءة بعد بضمّ العين بين بالنصب فكما يضمر هنا الفاعل وهو ضمير السّير كذلك يبقى هنا «بين» على بابها وينوى السّير وكان هذا أولى ؛
__________________
(١) محمد بن علي بن أبي طالب أبو القاسم ابن الحنفية وردت الرواية عنه في حروف القرآن. روى عن أبيه وغيره من الصحابة وروى عنه بنوه إبراهيم وعبد الله والحسن مات سنة ثلاث وسبعين ه ، وانظر : غاية النهاية ٢ / ٢٠٤.
(٢) هو سفيان بن حسين بن حسن السّلميّ مولى عبد الله بن خازم الواسطي أبو محمد روى عن ابن سيرين والحكم بن عتيبة وروى عنه شعبة وعباد بن العوام وغيرهما مات في خلافة المهديّ. الخلاصة ١٢٣.
(٣) قاله في المحتسب ٢ / ١٨٩.
(٤) في «ب» ضمّ. وهو الأصح والأقرب.
(٥) لم يبينه في المحتسب بوضوح حيث قال : «وقرأ : ربّنا بعد ـ بفتح الباء والدال وضم العين ـ بين أسفارنا ؛ ابن يعمر وسعيد بن أبي الحسن ومحمد بن السّميقع وسفيان بن الحسين بخلاف والكلبي بخلاف». وصرح بذلك بوضوح القرطبي في ١٤ / ٢٩١ وأبو حيان في البحر ٧ / ٢٧٣. وانظر الكشاف ٣ / ٢٨٦.
(٦) الدر المصون ٤ / ٤٣١.
(٧) المرجع السابق.
(٨) ما بين القوسين سقط من «ب».
(٩) ذكرها في المحتسب ٢ / ١٨٩ وهي جائزة قياسا شاذّة رواية وقد ذكرها أيضا الزجاج في إعراب القرآن ٤ / ٢٥٠ والفرّاء في معانيه ٢ / ٣٥٩.
(١٠) انظر : المراجع السابقة وهي قراءة عشرية متواترة النشر ٢ / ٣٥٠ ، والإتحاف ٣٥٩.
(١١) مختصر ابن خالويه ١٢١ وهي قراءة شاذة وقد ذكر كل هذه القراءات أبو حيّان في البحر ٧ / ٢٧٢ و ٢٧٣ والنحاس في إعراب القرآن ٣ / ٣٤١ و ٣٤٢.
(١٢) قاله أبو حيان في البحر ٧ / ٢٧٣.