بخلق عظيم وذلك ضد الجنون مؤكدا ذلك بثلاثة مؤكدات مثل ما في الجملة قبله.
والخلق : طباع النفس ، وأكثر إطلاقه على طباع الخير إذا لم يتبع بنعت ، وقد تقدم عند قوله تعالى : (إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ) في سورة الشعراء [١٣٧].
والعظيم : الرفيع القدر وهو مستعار من ضخامة الجسم ، وشاعت هذه الاستعارة حتى ساوت الحقيقة.
و (على) للاستعلاء المجازي المراد به التمكن كقوله : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) [البقرة : ٥] ومنه قوله تعالى : (إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ) [النمل : ٧٩] ، (إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الزخرف : ٤٣] ، (إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ) [الحج : ٦٧].
وفي حديث عائشة «أنها سئلت عن خلق رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالت : كان خلقه القرآن» أي ما تضمنه القرآن من إيقاع الفضائل والمكارم والنهي عن أضدادها.
والخلق العظيم : هو الخلق الأكرم في نوع الأخلاق وهو البالغ أشد الكمال المحمود في طبع الإنسان لاجتماع مكارم الأخلاق في النبي صلىاللهعليهوسلم فهو حسن معاملته الناس على اختلاف الأحوال المقتضية لحسن المعاملة ، فالخلق العظيم أرفع من مطلق الخلق الحسن.
ولهذا قالت عائشة : «كان خلقه القرآن» ، ألست تقرأ : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) [المؤمنون :١] الآيات العشر». وعن عليّ : الخلق العظيم : هو أدب القرآن ويشمل ذلك كل ما وصف به القرآن محامد الأخلاق وما وصف به النبي صلىاللهعليهوسلم من نحو قوله : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ) [آل عمران : ١٥٩] وقوله : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) [الأعراف : ١٩٩] وغير ذلك من آيات القرآن. وما أخذ به من الأدب بطريق الوحي غير القرآن قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «إنما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق» ، فجعل أصل شريعته إكمال ما يحتاجه البشر من مكارم الأخلاق في نفوسهم ، ولا شك أن الرسولصلىاللهعليهوسلم أكبر مظهر لما في شرعه قال تعالى : (ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها) [الجاثية : ١٨] وأمره أن يقول : (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام : ١٦٣].
فكما جعل الله رسوله صلىاللهعليهوسلم على خلق عظيم جعل شريعته لحمل الناس على التخلق بالخلق العظيم بمنتهى الاستطاعة.
وبهذا يزداد وضوحا معنى التمكن الذي أفاده حرف الاستعلاء في قوله : (وَإِنَّكَ