الجدوى ، وقد كان ذلك اللّباس الذي نزل به آدم هو أصل اللّباس الذي يستعمله البشر.
وهذا تنبيه إلى أنّ اللّباس من أصل الفطرة الإنسانيّة ، والفطرة أوّل أصول الإسلام ، وأنّه ممّا كرم الله به النّوع منذ ظهوره في الأرض ، وفي هذا تعريض بالمشركين إذ جعلوا من قرباتهم نزع لباسهم بأن يحجّوا عراة كما سيأتي عند قوله : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ) [الأعراف : ٣٢] فخالفوا الفطرة ، وقد كان الأمم يحتفلون في أعياد أديانهم بأحسن اللّباس ، كما حكى الله عن موسى عليهالسلام وأهل مصر : (قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ) [طه : ٥٩].
واللّباس اسم لما يلبسه الإنسان أي يستر به جزءا من جسده ، فالقميص لباس ، والإزار لباس ، والعمامة لباس ، ويقال لبس التّاج ولبس الخاتم قال تعالى : (وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها) [فاطر : ١٢] ومصدر لبس اللّبس ـ بضمّ اللّام ـ.
وجملة : (يُوارِي سَوْآتِكُمْ) صفة (للباسا) وهو صنف اللّباس اللّازم ، وهذه الصّفة صفة مدح اللّباس أي من شأنه ذلك وإن كان كثير من اللّباس ليس لمواراة السوآت مثل العمامة والبرد والقباء وفي الآية إشارة إلى وجوب ستر العورة المغلظة ، وهي السوأة ، وأمّا ستر ما عداها من الرّجل والمرأة فلا تدلّ الآية عليه ، وقد ثبت بعضه بالسنّة ، وبعضه بالقياس والخوض في تفاصيلها وعللها من مسائل الفقه.
والرّيش لباس الزّينة الزائد على ما يستر العورة ، وهو مستعار من ريش الطّير لأنّه زينته ، ويقال للباس الزّينة رياش.
وعطف (ريشا) على : (لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ) عطف صنف على صنف ، والمعنى يسّرنا لكم لباسا يستركم ولباسا تتزيّنون به.
وقوله : (وَلِباسُ التَّقْوى) قرأه نافع ، وابن عامر ، والكسائي ، وأبو جعفر : بالنّصب ، عطفا على (لِباساً) فيكون من اللّباس المنزل أي الملهم ، فيتعيّن أنّه لباس حقيقة أي شيء يلبس. والتّقوى ، على هذه القراءة ، مصدر بمعنى الوقاية ، فالمراد : لبوس الحرب ، من الدّروع والجواشن والمغافر. فيكون كقوله تعالى : (وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ) [النحل : ٨١]. والإشارة باسم الإشارة المفرد بتأويل المذكور ، وهو اللّباس بأصنافه الثّلاثة ، أي خير أعطاه الله بني آدم. فالجملة مستأنفة أو حال من (لِباساً) وما عطف عليه.