الشّجرة بعد أن صارت معروفة لهما زيادة في إغرائهما بالمعصية بالأكل من الشّجرة ، فقد وزّعت الوسوسة وتذييلها على السّورتين على عادة القرآن في الاختصار في سوق القصص اكتفاء بالمقصود من مغزى القصّة لئلا يصير القصص مقصدا أصليا للتنزيل.
والإشارة بقوله : (عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ) إلى شجرة معيّنة قد تبيّن لآدم بعد أن وسوس إليه الشّيطان أنّها الشّجرة التي نهاه الله عنها ، فأراد إبليس إقدامه على المعصية وإزالة خوفه بإساءة ظنّه في مراد الله تعالى من النّهي.
والاستثناء في قوله : (إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ) استثناء من علل ، أي ما نهاكما لعلّة وغرض إلّا لغرض أن تكونا ملكين ، فتعين تقدير لام التّعليل قبل (أن) وحذف حروف الجرّ الدّاخلة على (أن) مطرد في كلام العرب عند أمن اللّبس.
وكونهما ملكين أو خالدين علّة للنّهي : أي كونكما ملكين هو باعث النّهي ، إلّا أنّه باعث باعتبار نفي حصوله لا باعتبار حصوله ، أي هو علّة في الجملة ، ولذلك تأوّله سيبويه والزمخشري بتقدير : كراهة أن تكونا. وهو تقدير معنى لا تقدير إعراب ، كما تقدّم في سورة الأنعام ، وقيل حذفت (لا) بعد (أن) وحذفها موجود ، وبذلك تأوّل الكوفيون وقد تقدم القول فيه. وقد أوهم إبليس آدم وزوجه أنّهما متمكّنان أن يصيرا ملكين من الملائكة ، إذا أكلا من الشّجرة ، وهذا من تدجيله وتلبيسه إذ ألفى آدم وزوجه غير متبصّرين في حقائق الأشياء ، ولا عالمين المقدار الممكن في انقلاب الأعيان وتطوّر الموجودات ، وكانا يشاهدان تفضيل الملائكة عند الله تعالى وزلفاهم وسعة مقدرتهم ، فأطمعهما إبليس أن يصيرا من الملائكة إذا أكلا من الشّجرة ، وقيل المراد التشبيه البليغ أي إلّا أن تكونا في القرب والزلفى كالملكين ، وقد مثل لهما بما يعرفان من كمال الملائكة.
وقوله : (أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) عطف على : (أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ) وأصل (أو) الدّلالة على التّرديد بين أحد الشّيئين أو الأشياء ، سواء كان مع تجويز حصول المتعاطفات كلّها فتكون للإباحة بعد الطّلب ، وللتّجويز بعد الخبر أو للشكّ ؛ أم كان مع منع البعض عند تجويز البعض فتكون للتّخيير بعد الطّلب وللشكّ أو التّرديد بعد الخبر ، والتّرديد لا ينافي الجزم بأن أحد الأمرين واقع لا محالة كما هنا ، فمعنى الكلام أن الآكل من هذه الشّجرة يكون ملكا وخالدا ، كما قال عنه في سورة طه [١٢٠] : (هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى) فجعل نهي الله لهما عن الأكل لا يعدو إرادة أحد الأمرين ، ويستفاد من المقام أنّه قد يريد حرمانهما من الأمرين جميعا بدلالة الفحوى ، ولم يكن آدم