العراق «ألستم أصحابي بالأهواز حين رمتم الغدر واستبطنتم الكفر» يريد أنهم الذين قاتلوه بالأهواز ، فمعنى كونهم أصحابه أنه كثر اشتغاله بهم ، وقول الفضل بن عبّاس اللهبي :
كلّ له نيّة في بغض صاحبه |
|
بنعمة الله نقليكم وتقلونا |
فوصف الرسول صلىاللهعليهوسلم بأنه صاحب الذين كذبوا بالآيات : هو بمعنى الذي اشتغلوا بشأنه ولزموا الخوض في أمره ، وقد تكرر ذلك في القرآن كقوله تعالى : (وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ) [التكوير : ٢٢].
والجنة ـ بكسر الجيم ـ اسم للجنون ، وهو الخبال الذي يعتري الإنسان من أثر مسّ الجن إيّاه في عرف الناس ، ولذلك علقت الجنة بفعل الكون المقدر ، بحرف الباء الدال على الملابسة. وإنما أنكر عليهم وعجّب من إعراضهم عن التفكر في شأن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه غير مجنون ، ردا عليهم وصفهم إياه بالجنون (وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) [الحجر : ٦] ، (وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ) [الدخان : ١٤] وهذا كقوله تعالى : (وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ) [التكوير : ٢٢].
وجملة : (إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) استئناف بياني لجواب سائل منهم يقول : فما ذا شأنه ، أو هي تقرير لحكم جملة : (ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ) ففصلت لكمال الاتصال بينهما المغني عن العطف.
والنذير المحذر من شيء يضر ، وأصله الذي يخبر القوم بقدوم عدوهم ، ومنه المثل «أنا النذير العريان» يقال أنذر نذارة بكسر النون مثل بشارة فهو منذر ونذير.
وهذا مما جاء فيه فعيل في موضع مفعل ، مثل الحكيم ، بمعنى المحكم ، وقول عمرو بن معديكرب :
أمن ريحانة الداعي السميع
أي المسمع. والمبين اسم فاعل من أبان إذا أوضح ، ووقع هذا الوصف عقب الإخبار ب (نذير) يقتضي أنه وصف للخبر ، فالمعنى أنه النذير المبين لنذارته بحيث لا يغادر شكا في صدقه ، ولا في تصوير الحال المحذر منها ، فالغرض من اتباع «النذير» بوصف «المبين» التعريض بالذين لم ينصاعوا لنذارته ، ولم يأخذوا حذرهم من شر ما حذرهم منه ، وذلك يقطع عذرهم.
ويجوز جعل (مُبِينٌ) خبرا ثانيا عن ضمير صاحبهم ، والمعنى أنه نذير وأنه مبين