وقال الضحاك : (شُرَّعاً) متتابعة مصطفة ، أي فهو كناية عن كثرة ما يرد منها يوم السبت.
وأحسب أن ذلك وصف من شرعت الإبل نحو الماء أي دخلت لتشرب ، وهي إذا رعتها الرعاة تسابقت إلى الماء فاكتظت وتراكمت وربما دخلت فيه ، فمثلت هيئة الحيتان ، في كثرتها في الماء بالنعم الشارعة إلى الماء وحسّن ذلك وجود الماء في الحالتين ، وهذا أحسن تفسيرا.
والمعنى : أنهم يعدون في السبت ولم يمتثلوا أمر الله بترك العمل فيه ، ولا اتعظوا بآية إلهام الحوت أن يكون آمنا فيه.
وقوله : (يَوْمَ سَبْتِهِمْ) يجوز أن يكون لفظ سبت مصدر سبت إذا قطع العمل بقرينة ظاهر قوله : (وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ) فإنه مضارع سبت ، فيتطابق المثبت والمنفي فيكون المعنى : إنهم إذا حفظوا حرمة السبت ، فأمسكوا عن الصيد في يوم السبت ، جاءت الحيتان يومئذ شرعا آمنة ، وإذا بعثهم الطمع في ورفة الصيد فأعدّوا له آلاته ، وعزموا على الصيد لم تأتهم.
ويجوز أن يكون لفظ (سَبْتِهِمْ) بمعنى الاسم العلم لليوم المعروف بهذا الاسم من أيام الأسبوع ، وإضافته إلى ضميرهم اختصاصه بهم بما أنهم يهود ، تعريضا بهم لاستحلالهم حرمة السبت فإن الاسم العلم قد يضاف بهذا القصد ، كقول أحد الطائيين :
علا زيدنا يوم النّقا رأس زيدكم |
|
بأبيض ماضي الشفرتين يمان |
وقول ربيعة بن ثابت الأسدي :
لشتان ما بين اليزيدين في النّدى |
|
يزيد سليم والأغرّ ابن حاتم (١) |
وعلى الوجهين يجوز في قوله : (وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ) أن يكون المعنى والأيام التي لا يحرم العمل فيها ، أي أيام الأسبوع ، لا تأتي فيها الحيتان ، وأن يكون المعنى وأيام السبوت التي استحلوها فلم يكفوا عن الصيد فيها ينقطع فيها إتيان الحيتان ، ولا يخفى أن لا يثار هذا الأسلوب في التعبير عن السبت خصوصية بلاغية ، ترمي إلى إرادة كلا المعنيين.
__________________
(١) يزيد سليم هو ابن أسيد السّلمي والي مصر لأبي جعفر المنصور ويزيد بن حاتم الأزدي من آل المهلب بن أبي صفرة أمير مصر وإفريقية لأبي جعفر المنصور.