ذلك ، لأنّه لو كان كذلك لقال ولقد مكناكم الأرض ، وقد قال تعالى عن عاد : (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ) [الأحقاف : ٢٦] أي جعلنا ما أقررناهم عليه أعظم ممّا أقدرناكم عليه ، أي في آثارهم في الأرض أمّا أصل القرار في الأرض فهو صراط بينهما.
ومعايش جمع معيشة ، وهي ما يعيش به الحيّ من الطّعام والشّراب ، مشتقّة من العيش وهو الحياة ، وأصل المعيشة اسم مصدر عاش قال تعالى : (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً) [طه : ١٢٤] سمي به الشّيء الذي يحصل به العيش ، تسمية للشّيء باسم سببه على طريقة المجاز الذي غلب حتّى صار مساويا للحقيقة.
وياء (معايش) أصل في الكلمة لأنّها عين الكلمة من المصدر (عيش) فوزن معيشة مفعلة ومعايش مفاعل ، فحقّها أن ينطق بها في الجمع ياء وأن لا تقلب همزة. لأنّ استعمال العرب في حرف المدّ الذي في المفرد أنّهم إذا جمعوه جمعا بألف زائدة ردّوه إلى أصله واوا أو ياء بعد ألف الجمع ، مثل : مفازة ومفاوز ، فيما أصله واو من الفوز ومعيبة ومعايب فيما أصله الياء ، فإذا كان حرف المدّ في المفرد غير أصلي فإنّهم إذا جمعوه جمعا بألف زائدة قلبوا حرف المد همزة نحو قلادة وقلائد ، وعجوز وعجائز ، وصحيفه وصحائف ، وهذا الاستعمال من لطائف التّفرقة بين حرف المد الأصلي والمد الزّائد واتّفق القراء على قراءته بالياء ، وروى خارجة بن مصعب ، وحميد بن عمير ، عن نافع أنّه قرأ : معايش بهمز بعد الألف ، وهي رواية شاذة عنه لا يعبأ بها ، وقرئ في الشاذ : بالهمز ، رواه عن الأعرج ، وفي «الكشاف» نسبة هذه القراءة إلى ابن عامر وهو سهو من الزمخشري.
وقوله : (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) هو كقوله في أوّل السّورة (قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) [الأعراف : ٣] ونظائره.
والخطاب للمشركين خاصة ، لأنّهم الذين قل شكرهم لله تعالى إذا اتّخذوا معه آلهة.
ووصف قليل يستعمل في معنى المعدوم كما تقدّم آنفا في أوّل السّورة ، ويجوز أن يكون على حقيقته أي إن شكركم الله قليل. لأنّهم لمّا عرفوا أنّه ربّهم فقد شكروه ، ولكن أكثر أحوالهم هو الإعراض عن شكره والإقبال على عبادة الأصنام وما يتبعها ، ويجوز أن تكون القلّة كناية عن العدم على طريقة الكلام المقتصد استنزالا لتذكرهم.
وانتصب (قليلا) على الحال من ضمير المخاطبين و (ما) مصدريّة ، والمصدر المؤول