[الأنبياء : ٤٧]. وقد ورد في السنّة ذكر الميزان في حديث البطاقة التي فيها كلمة شهادة الإسلام ، عند التّرمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، وحديث قول النّبيءصلىاللهعليهوسلم لأنس بن مالك : «فاطلبني عند الميزان» خرّجه التّرمذي.
وقد اختلف السلف في وجود مخلوق يبيّن مقدار الجزاء من العمل يسمّى بالميزان توزن فيه الأعمال حقيقة ، فاثبت ذلك الجمهور ونفاه جماعة منهم الضحاك ومجاهد والأعمش ، وقالوا : هو القضاء السوي ، وقد تبع اختلافهم المتأخرون فذهب جمهور الأشاعرة وبعض المعتزلة إلى تفسير الجمهور ، وذهب بعض الأشاعرة المتأخرين وجمهور المعتزلة إلى ما ذهب إليه مجاهد والضحاك والأعمش ، والأمر هين ، والاستدلال ليس ببيّن والمقصود المعنى وليس المقصود آلته.
والإخبار عن الوزن بقوله : (الْحَقُ) إن كان الوزن مجازا عن تعيين مقادير الجزاء فالحق بمعنى العدل ، أي الجزاء عادل غير جائز ، لأنّه من أنواع القضاء والحكم ، وإن كان الوزن تمثيلا بهيئة الميزان ، فالعدل بمعنى السوي ، أي والوزن يومئذ مساو للأعمال لا يرجح ولا يحجف.
وعلى الوجهين فالإخبار عنه بالمصدر مبالغة في كونه محقا.
وتفرع على كونه الحق قوله : (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ، فهو تفصيل للوزن ببيان أثره على قدر الموزون. ومحل التّفريع هو قوله : (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) وقوله : (فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) إذ ذلك مفرّع على قوله : (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) وقوله : (وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ).
وثقل الميزان في المعنى الحقيقي رجحان الميزان بالشّيء الموزون ، وهو هنا مستعار لاعتبار الأعمال الصّالحة غالبة ووافرة ، أي من ثقلت موازينه الصّالحات ، وإنّما لم يذكر ما ثقلت به الموازين لأنّه معلوم من اعتبار الوزن ، لأنّ متعارف النّاس أنّهم يزنون الأشياء المرغوب في شرائها المتنافس في ضبط مقاديرها والتي يتغابن النّاس فيها.
والثّقل مع تلك الاستعارة هو أيضا ترشيح لاستعارة الوزن للجزاء ، ثمّ الخفّة مستعارة لعدم الأعمال الصّالحة أخذا بغاية الخفة على وزان عكس الثّقل ، وهي أيضا ترشيح ثان لاستعارة الميزان ، والمراد هنا الخفّة الشّديدة وهي انعدام الأعمال الصّالحة لقوله : (بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ). والفلاح حصول الخير وإدراك المطلوب.