الثاني تارة بنفسه وأخرى بالحرف : اللام أو (إلى) ، فلذلك كانت تعديته إلى المفعول الأول باللام في هذه الآية إمّا لتضمينه معنى يبين ، وإما لتقوية تعلق معنى الفعل بالمفعول كما في قولهم : شكرت له ، وقوله تعالى : (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا) [مريم : ٥] ، ومثل قوله تعالى : (أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ) في سورة طه [١٢٨].
و (أَنْ) مخففة من (أنّ) واسمها ضمير الشأن ، وجملة (لَوْ نَشاءُ) خبرها. ولما كانت (أن) ـ المفتوحة الهمزة ـ من الحروف التي تفيد المصدرية على التحقيق لأنها مركّبة من (إنّ) المكسورة المشددة ، ومن (أنّ) المفتوحة المخففة المصدرية لذلك عدّت في الموصولات الحرفية وكان ما بعدها مؤولا بمصدر منسبك من لفظ خبرها إن كان مفردا مشتقا ، أو من الكون إن كان خبرها جملة ، فموقع (أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ) موقع فاعل (يَهْدِ) ، والمعنى : أو لم يبيّن للذين يخلفون في الأرض بعد أهلها كون الشأن المهم وهو لو نشاء أصبناهم بذنوبهم كما أصبنا من قبلهم.
وهؤلاء هم الذين أشركوا بالله وكذبوا محمدا صلىاللهعليهوسلم.
والإصابة : نوال الشيء المطلوب بتمكّن فيه. فالمعنى : أن نأخذهم أخذا لا يفلتون منه. والباء في (بِذُنُوبِهِمْ) للسببية ، وليست لتعدية فعل (أَصَبْناهُمْ).
وجملة : (أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ) واقعة موقع مفرد ، هو فاعل (يَهْدِ) ، ف (إن) مخففة من الثقيلة وهي من حروف التأكيد والمصدرية واسمها في حالة التخفيف ، ضمير شأن مقدر ، وجملة شرط (لو) وجوابه خبر (أنّ).
و (لو) حرف شرط يفيد تعليق امتناع حصول جوابه لأجل امتناع حصول شرطه : في الماضي ، أو في المستقبل ، وإذ قد كان فعل الشرط هنا مضارعا كان في معنى الماضي ، إذ لا يجوز اختلاف زمني فعلي الشرط والجواب ، وإنما يخالف بينهما في الصورة لمجرد التفنن كراهية تكرير الصورة الواحدة ، فتقدير قوله : (لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ) انتفى أخذنا إياهم في الماضي بذنوب تكذيبهم ، لأجل انتفاء مشيئتنا ذلك لحكمة إمهالهم لا لكونهم أعزّ من الأمم البائدة أو أفضل حالا منهم ، كما قال تعالى : (فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ) [غافر : ٢١] الآية ، وفي هذا تهديد بأن الله قد يصيبهم بذنوبهم في المستقبل ، إذ لا يصده عن ذلك غالب ، والمعنى : أغرهم تأخّر العذاب مع تكذيبهم فحسبوا أنفسهم في منعة منه ، ولم