الغلبة ، كما تقدم في قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ) في سورة الأنعام [٤٢].
وقوله : (بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ) تقدم ما يفسّرها في قوله : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) في سورة الأنعام [٤٢]. ويفسر بعضها أيضا في قوله : (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ) في سورة البقرة [١٧٧].
واستغنت جملة الحال الماضوية على الواو و (قد) بحرف الاستثناء ، فلا يجتمع مع (قد) إلّا نادرا ، أي : ابتدأناهم بالتخويف والمصائب لتفل من حدتهم وتصرف تأملهم إلى تطلب أسباب المصائب فيعلموا أنها من غضب الله عليهم فيتوبوا.
والتبديل : التعويض ، فحقه أن يتعدى إلى المفعول الثاني بالباء المفيدة معنى البدلية ويكون ذلك المفعول الثاني المدخول للباء هو المتروك ، والمفعول الأول هو المأخوذ ، كما في قوله تعالى : (قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) في سورة البقرة [٦١] ، وقوله : (وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ) في سورة النساء [٢] ، لذلك انتصب (الْحَسَنَةَ) هنا لأنها المأخوذة لهم بعد السيّئة فهي المفعول الأول والسيّئة هي المتروكة ، وعدل عن جر السيئة بالباء إلى لفظ يؤدي مؤدى باء البدلية وهو لفظ (مكان) المستعمل ظرفا مجازا عن الخليفة ، يقال خذ هذا مكان ذلك ، أي : خذه خلفا عن ذلك لأن الخلف يحل في مكان المخلوف عنه ، ومن هذا القبيل قول امرئ القيس :
وبدلت قرحا داميا بعد نعمة
فجعل (بعد) عوضا عن باء البدلية.
فقوله : (مَكانَ) منصوب على الظرفية مجازا ، أي : بدلناهم حسنة في مكان السيّئة ، والحسنة اسم اعتبر مؤنثا لتأويله بالحالة والحادثة وكذلك السيئة فهما في الأصل صفتان لموصوف محذوف ، ثم كثر حذف الموصوف لقلة جدوى ذكره فصارت الصفتان كالاسمين ، ولذلك عبر عن الحسنة في بعض الآيات بما يتلمّح منه معنى وصفيّتها نحو قوله تعالى : (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [فصلت : ٣٤] أي : ادفع السيّئة بالحسنة ، فلما جاء بطريقة الموصولية والصلة بأفعل التفضيل تلمح معنى الوصفية فيهما ، وكذلك قوله تعالى : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ) [فصلت : ٣٤]. ومثلهما في هذا المصيبة ، كما في قوله تعالى في سورة براءة [٥٠] : (إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ