لا يصفونهم بالإيمان الحقّ في اعتقادهم.
والقرية (المدينة) لأنها يجتمع بها السكان. والتقرّي : الاجتماع. وقد تقدم عند قوله تعالى : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ) [البقرة : ٢٥٩] ، والمراد بقريتهم هنا هي (الأيكة) وهي (تبوك) وقد رددوا أمر شعيب ومن معه بين أن يخرجوا من القرية وبين العود إلى ملة الكفر.
وقد جعلوا عود شعيب والذين معه إلى ملّة القوم مقسما عليه فقالوا : (أَوْ لَتَعُودُنَ) ولم يقولوا : لنخرجنّكم من أرضنا أو تعودن في ملّتنا ، لأنّهم أرادوا ترديد الأمرين في حيز القسم لأنهم فاعلون أحد الأمرين لا محالة وأنّهم ملحّون في عودهم إلى ملّتهم.
وكانوا يظنّون اختياره العود إلى ملّتهم ، فأكدوا هذا العود بالقسم للإشارة إلى أنّه لا محيد عن حصوله عوضا عن حصول الإخراج لأن أحد الأمرين مرض للمقسمين ، وأيضا فإن التوكيد مؤذن بأنّهم إن أبوا الخروج من القرية فإنهم يكرهون على العود إلى ملّة القوم كما دل عليه قول شعيب في جوابهم : (أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ) ولما كان المقام للتوعّد والتّهديد كان ذكر الإخراج من أرضهم أهم ، فلذلك قدموا القسم عليه ثم أعقبوه بالمعطوف بحرف (أو).
والعود : الرجوع إلى ما كان فيه المرء من مكان أو عمل ، وجعلوا موافقة شعيب إياهم على الكفر عودا لأنهم يحسبون شعيبا كان على دينهم ، حيث لم يكونوا يعلمون منه ما يخالف ذلك ، فهم يحسبونه ، موافقا لهم من قبل أن يدعو إلى ما دعا إليه. وشأن الذين أرادهم الله للنبوءة أن يكونوا غير مشاركين لأهل الضلال من قومهم ولكنّهم يكونون قبل أن يوحى إليهم في حالة خلو عن الإيمان حتى يهديهم الله إليه تدريجا ، وقومهم لا يعلمون باطنهم فلا حيرة في تسمية قومه موافقته إيّاهم عودا.
وهذا بناء على أن الأنبياء معصومون من الشرك قبل النبوءة ، وذلك قول جميع المتكلمين من المسلمين ، وقد نبّه على ذلك عياض في «الشفاء» في القسم الثالث وأورد قول شعيب : (إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ) [الأعراف : ٨٩] وتأول العود بأنّه المصير ، وذلك تأويل كثير من المفسرين لهذه الآية. ودليل العصمة من هذا هو كمالهم ، والدليل مبني على أن خلاف الكمال قبل الوحي يعد نقصا ، وليس في الشريعة دليل قاطع على ذلك ، وإنّما الإشكال في قول شعيب (إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ) [الأعراف : ٨٩] فوجهه أنّه أجراه على المشاكلة والتغليب. وكلاهما مصحّح لاستعمال لفظ العود في غير معناه بالنسبة إليه خاصة ، وقد