وإضافة ناقة إلى اسم الله تعالى تشريف لها لأنّ الله أمر بالإحسان إليها وعدم التّعرّض لها بسوء ، وعظّم حرمتها ، كما يقال : الكعبة بيت الله ، أو لأنّها وجدت بكيفية خارقة للعادة ، فلانتفاء ما الشأن أن تضاف إليه من أسباب وجود أمثالها أضيفت إلى اسم الجلالة كما قيل : عيسى ـ عليهالسلام ـ كلمة الله.
وأمّا إضافة (أَرْضِ) إلى اسم الجلالة فالمقصود منه أنّ للنّاقة حقّا في الأكل من نبات الأرض لأنّ الأرض لله وتلك النّاقة من مخلوقاته فلها الحقّ في الانتفاع بما يصلح لانتفاعها.
وقوله : (هذِهِ) مقدمة لقوله : (وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ) أي بسوء يعوّقها عن الرّعي إمّا بموت أو بجرح ، وإمّا لأنّهم لما كذّبوه وكذّبوا معجزته راموا منع النّاقة من الرّعي لتموت جوعا على معنى الإلجاء النّاشئ عن الجهالة.
والأرض هنا مراد بها جنس الأرض كما تقتضيه الإضافة.
وقد جعل الله سلامة تلك النّاقة علامة على سلامتهم من عذاب الاستيصال للحكمة التي قدّمتها آنفا ، وأن ما أوصى الله به في شأنها شبيه بالحرم ، وشبيه بحمى الملوك لما فيه من الدّلالة على تعظيم نفوس القوم لمن تنسب إليه تلك الحرمة ، ولذلك قال لهم صالح : (فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ) لأنّهم إذا مسّها أحد بسوء ، عن رضى من البقيّة ، فقد دلّوا على أنّهم خلعوا حرمة الله تعالى وحنقوا على رسوله عليهالسلام.
وجزم (تَأْكُلْ) على أنّ أصله جواب الأمر بتقدير : إن تذروها تأكل ، فالمعنى على الرّفع والاستعمال على الجزم ، كما في قوله تعالى : (قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ) [إبراهيم : ٣١] أي يقيمون وهو كثير في الكلام ، ويشبه أن أصل جزم أمثاله في الكلام العربي على التّوهم لوجود فعل الطّلب قبل فعل صالح للجزم ، ولعلّ منه قوله تعالى : (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً) [الحج : ٢٧].
وانتصب قوله : (فَيَأْخُذَكُمْ) في جواب النّهي ليعتبر الجواب للمنهي عنه لأنّ حرف النّهي لا أثر له : أي إن تمسّوها بسوء يأخذكم عذاب.
وأنيط النّهي بالمس بالسّوء لأنّ المس يصدق على أقل اتّصال شيء بالجسم ، فكلّ ما ينالها ممّا يراد منه السّوء فهو منهي عنه ، وذلك لأنّ الحيوان لا يسوؤه إلّا ما فيه ألم لذاته ، لأنّه لا يفقه المعاني النّفسانيّة.