ومعنى (أَجِئْتَنا) أقصدت واهتممت بنا لنعبد الله وحده فاستعير فعل المجيء لمعنى الاهتمام والتّحفّز والتّصلّب ، كقول العرب : ذهب يفعل ، وفي القرآن : (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ) [المدثر : ١ ، ٢] وقال حكاية عن فرعون : (ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى فَحَشَرَ فَنادى) [النازعات : ٢٢ ، ٢٣] وفرعون لم يفارق مجلس ملكه وإنّما أريد أنّه أعرض واهتمّ ومثله قولهم ذهب يفعل كذا قال النّبهاني :
فإن كنت سيّدنا سدتنا |
|
وإن كنت للخال فاذهب فخل |
فقصدوا ممّا دلّ عليه فعل المجيء زيادة الإنكار عليه وتسفيهه على اهتمامه بأمر مثل ما دعاهم إليه.
و (وَحْدَهُ) حال من اسم الجلالة وهو اسم مصدر أوحده : إذا اعتقده واحدا ، فقياس المصدر الإيجاد ، وانتصب هذا المصدر على الحال : إمّا من اسم الجلالة بتأويل المصدر باسم المفعول عند الجمهور أي موحّدا أي محكوما له بالوحدانية ، وقال يونس : هو بمعنى اسم الفاعل أي موحّدين له فهو حال من الضّمير في (لِنَعْبُدَ).
وتقدّم معنى : (وَنَذَرَ) عند قوله تعالى : (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً) في سورة الأنعام [٧٠].
والفاء في قوله : (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا) لتفريع طلب تحقيق ما توعدهم به ، وتحدّيا لهود ، وإشعارا له بأنّهم موقنون بأن لا صدق للوعيد الذي يتوعّدهم فلا يخشون ما وعدهم به من العذاب. فالأمر في قولهم : (فَأْتِنا) للتّعجيز.
والإتيان بالشّيء حقيقته أن يجيء مصاحبا إيّاه ، ويستعمل مجازا في الإحضار والإثبات كما هنا. والمعنى فعجل لنا ما تعدنا به من العذاب ، أو فحقّق لنا ما زعمت من وعيدنا. ونظيره الفعل المشتقّ من المجيء مثل (ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ) [هود : ٥٣] (الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ) [البقرة : ٧١].
وأسندوا الفعل إلى ضميره تعريضا بأن ما توعدهم به هو شيء من مختلقاته وليس من قبل الله تعالى ، لأنّهم يزعمون أنّ الله لا يحبّ منهم الإقلاع عن عبادة آلهتهم ، لأنّه لا تتعلّق إرادته بطلب الضّلال في زعمهم.
والوعد الذي أرادوه وعد بالشرّ ، وهو الوعيد ، ولم يتقدّم ما يفيد أنّه توعّدهم بسوء ، فيحتمل أن يكون وعيدا ضمنيا تضمّنه قوله : (أَفَلا تَتَّقُونَ) [الأعراف : ٦٥] لأنّ إنكاره عليهم