قال ابن الكلبي : «ينادي أهل الأعراف وهم على السور يا وليد بن المغيرة يا أبا جهل بن هشام يا فلان ويا فلان» فهؤلاء من الرّجال الذين يعرفونهم بسيماهم وكانوا من أهل العزّة والكبرياء.
ومعنى (جَمْعُكُمْ) يحتمل أن يكون جمع النّاس ، أي ما أغنت عنكم كثرتكم التي تعتزّون بها ، ويحتمل أن يراد من الجمع المصدر بمعنى اسم المفعول. أي ما جمعتموه من المال والثّروة كقوله تعالى : (ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ) [الحاقة : ٢٨].
و (ما) الأولى نافية ، ومعنى (ما أَغْنى) ما أجزى مصدره الغناء ـ بفتح الغين وبالمدّ ـ.
والخبر مستعمل في الشّماتة والتّوقيف على الخطأ.
و (ما) الثّانية مصدريّة ، أي واستكباركم الذي مضى في الدّنيا ، ووجه صوغه بصيغة الفعل دون المصدر إذ لم يقل استكباركم ليتوسّل بالفعل إلى كونه مضارعا فيفيد أنّ الاستكبار كان دأبهم لا يفترون عنه.
وجملة (أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ) من كلام أصحاب الأعراف. والاستفهام في قوله (أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ) مستعمل في التّقرير.
والإشارة ب (أَهؤُلاءِ) إلى قوم من أهل الجنّة كانوا مستضعفين في الدّنيا ومحقرين عند المشركين بقرينة قوله : (الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ) ـ وقوله ـ (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ) قال المفسّرون هؤلاء مثل سلمان ، وبلال ، وخبّاب ، وصهيب من ضعفاء المؤمنين ، فإما أن يكونوا حينئذ قد استقرّوا في الجنّة فجلاهم الله لأهل الأعراف وللرّجال الذين خاطبوهم ، وإمّا أن يكون ذلك الحوار قد وقع قبل إدخالهم الجنّة. وقسمهم عليهم لإظهار تصلّبهم في اعتقادهم وأنّهم لا يخامرهم شكّ في ذلك كقوله تعالى : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ) [النحل : ٣٨].
وقوله : (لا يَنالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ) هو القسم عليه ، وقد سلّطوا النّفي في كلامهم على مراعاة نفي كلام يقوله الرّسول عليه الصّلاة والسّلام أو المؤمنون ، وذلك أنّ بشارات القرآن أولئك الضّعفاء ، ووعده إياهم بالجنّة ، وثناءه عليهم نزل منزلة كلام يقول : إنّ الله ينالهم برحمة ، أي بأن جعل إيواء الله إياهم بدار رحمته ، أي الجنّة ، بمنزلة النّيل وهو حصول الأمر المحبوب المبحوث عنه كما تقدّم في قوله : (أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ