قال الحجاري : وربما كان أجود من جميع من ملك من بني مروان ، ومما نسب له وقد نسب لابنه المستنصر.
ما كلّ شيء فقدت إلا |
|
عوّضني الله عنه شيّا |
إني إذا ما منعت خيري |
|
تباعد الخير من يديّا |
من كان لي نعمة عليه |
|
فإنها نعمة عليّا |
وذكر : أن توقيعاته بليغة ؛ كتب له محمد بن عبد الرحمن المعروف بالشيخ ، الممتنع بحصن لقنت في جواب استنزاله له ما أوجب أن كان في جواب الناصر له : ولما رأيناك قد تذرّعت بإظهار اتقاء الله رأينا أن نعرض عليك أوّلا ما بدّ لك منه آخرا وليس من أطاع بالمقال ، كمن أطاع بعد الفعال. فبادر مستسلما إلى قرطبة.
وكتب له ابن عمه سعيد بن المنذر وهو محاصر ابن حفصون يذكر له تلوّن بني حفصون ، فأجابه بكتاب فيه : مهما تحققت من غدر بني حفصون ومكرهم فزد فيه بصرة واثبت على تحقيقك ، ومهما ظننت فصيّر ظنك تحقيقا ، فإنهم شجرة نفاق ، أصلها وفروعها تستقى بماء واحد ، فاهجر فيهم المنام والدّعة ، فالعيون إليه تنظر والآذان نحوهم تسمع ، فمتى استنزلتهم من معقلهم أغناك ذلك عن مكابدة غيرهم. فلم يزل بهم حتى غلب عليهم.
وأقدم عليه رجل وقاح بالشكوى والصياح ، وخرج من أمره أنه اشترى حمارا فخرج فيه عيب ، فرفع ذلك إلى القاضي فردّ حكمه إلى أهل السّوق فأفتوا أنه عيب حديث قال : فألزموني به وأنا لا أريده ، فقال : تجاوزت القاضي وأهل السّوق إلى الخليفة في هذه المسألة الوضيعة ، ثم أمر به فضرب ، ونودي عليه بذلك مجرّسا ، وردّ رأسه إلى وزرائه ، وقال : أعلمتم أن الأمير عبد الله جدّي بنزوله للعامة في الحكم للمرأة في عزلها ، والجمّال في ثمن ما يحمله ، والدلّال في ثمن ما ينادي عليه ، أضاع كبار الأمور ومهماتها ، والنظر في حروبه ، ومدارأة المتوثبين عليه ، حتى اضطرمت جزيرة الأندلس ، وكانت الدولة ألا يبقى لها رسم. وأيّ مصلحة في نظر غزل امرأة ينظر فيه أمين سوق الغزل ، وإضاعة النظر في قطع الطرق وسفك الدماء وتخريب العمران؟!. وكان حاجبه موسى بن حدير (١) على ذكائه يقول : ما رأيت أذكى منه ، كنت والله آخذ معه في الشيء تحليقا على سواه ، حتى أخرج إليه فيسبقني لمرادي ، ويعلم ما بنيت عليه تدبيري. وكان له عيون على ما قرب ، وبعد ، وصغر ، وكبر. وكان معروفا بحسن العهد ، وبذلك انتفع في استنزال المتغلبين.
__________________
(١) انظر ترجمته في بغية الملتمس (ص ٤٣٩).