الحلة
من كتاب تلقيح الآراء في حلى الحجّاب والوزراء
١٤٠ ـ المظفر عبد الملك بن المنصور بن أبي عامر (١)
ذكر ابن حيان ضبطه للدولة بعد موت أبيه ، ونفيه من خاف فتنته من الغلمان إلى سبتة ، وأحبه الناس ، وانصبّ التأييد والإقبال عليه انصبابا لم يسمع بمثله ، وسكن الناس منه إلى عفاف ونزاهة ، فأخذوا في المكاسب والزينة ، وبلغت الأندلس في أيامه إلى نهاية الجمال والكمال.
وكان أحمد بن فارس المنجم قد قال : لم يولد بالأندلس قط أسعد من المظفر على نفسه وعلى أبيه وحاشيته ، نعم! وعلى أهل الأندلس طرّا وأنها لا تزال بخير حياته ، فإذا هلك لم تفلح ، فكان كذلك. وكانت نفائس الأعلاق والآلات الملوكية قد ارتفعت في وقته ارتفاعا عظيما ، وبلغت الأندلس في مدته إلى نهاية الهدو والرفاهية ، وجرى على سنن أبيه من غزو النصارى ، وضبط الدولة ، ورام صهره عيسى بن سعيد المعروف بابن القطاع أن يأخذ الدولة ، ففطن به ، وعاجله وقتله في مجلس المنادمة.
إلا أنه لم يكن فيه للأدب ما كان له من أبيه ، فقد وصفه ابن حيان بأنه كان مائلا لمجالسة العجم الجفاة من البرابر والإفرنج. منهمكا في الفروسية وآلاتها ، إلا أن أصحاب أبيه لم يخلّ بهم ولا جفاهم ، بل أبقاهم على رسمهم.
١٤١ ـ أخوه الناصر عبد الرحمن بن المنصور (٢)
كان هذا الرجل بضدّ أخيه ، إذ قام نحسا على نفسه وعلى أهل الأندلس ، فمنه انفتح باب الفتنة العظمى وفسد الناموس.
لما مات أخوه استولى على حجابة هشام المؤيد ، فأخذ في الانهماك شربا وزندقة وحكي
__________________
(١) ترجمته في نفح الطيب (ج ١ / ص ٤٠٥ / ٤٠٦) وتاريخ ابن خلدون (ج ١ / ص ٣٢١ / ٣٢٤).
(٢) ترجمته في نفح الطيب (ج ١ / ص ٤٠٥) وبغية الملتمس (ص ٣٦١) وتاريخ ابن خلدون (ج ٤ / ص ٣٢١ / ٣٢٤).