قال الحجاري : ورفع للناصر أن تاجرا زعم أنه ضاعت له صرّة فيها مائة دينار ، ونادى عليها ، واشترط أن يهب للآتي عشرة دنانير ، فجاء بها رجل عليه سمة خير ، ذكر أنه وجدها ، فلما حصلت في يده قال : إنها كانت مائة وعشرة ، وإن العشرة التي نقصت منها أخذها الذي أتى بها ، وأبى أن يدفع له ما شرط ، فوقّع الناصر : صدق التاجر الذي وجد المال ، ولولا صدق الرجل ما أتى بشيء مجهول ، فاردد عليه المائة ، وناد على مال التاجر فإنه مائة وعشرة. فكان ذلك من ملحة.
وقال لقائد عساكره ابن أبي عبدة : إن استرسلت في الكلام معك بمحفل ، فتعقّبه في الخلوة ، ومع ذلك فإنك ترى بالمشاهدة ما لا نراه ، فلا ترجع عن مصلحة.
وقتل الناصر ابنه عبد الله ذبحا بيده ، وقد بلغه أنه يريد قتله وأخذ الخلافة.
١١٩ ـ ابنه الحكم المستنصر بالله (١)
من الجذوة : كان له إذ ولي بعد أبيه سبع وأربعون سنة ، وكان حسن السّيرة ، جامعا للعلوم ، محبّا لها ، مكرما لأهلها ، وجمع من الكتب في أنواعها ما لم يجمعه أحد من ملوك الأندلس قبله ، وذلك بإرساله فيها إلى الأقطار واشترائه لها بأغلى الأثمان ، ونفق عليه فحمل إليه. وكان قد رام قطع الخمر من الأندلس ، وأمر بإراقتها ، وتشدّد في ذلك ، وشاور في استئصال شجرة العنب ، فقيل إنهم يعملونها من التين وغير ذلك. فوقف عما همّ به.
ومن المسهب : توفي يوم الأحد لليلتين خلتا من صفر سنة ست وستين وثلاثمائة ، فكانت مدته خمس عشرة سنة وخمسة أشهر وثلاثة أيام.
وحكى ابن حيان : أن عدد الكتب التي كانت فهارس بأسماء الكتب التي اجتمعت في خزانته أربعة وأربعون ، في كل فهرست منها عشرون ورقة. ووجّه لأبي الفرج الأصبهاني ألف دينار على أن يوجّه له نسخة من كتاب الأغاني ؛ وباسمه طرّز أبو علي البغدادي كتاب الأمالي ، وعليه وفد ، فأحمد وفادته. وأنشد من شعره (٢) قوله : [الطويل]
إلى الله أشكو من شمائل مترف |
|
عليّ ظلوم لا يدين بما دنت |
نأت عنه داري ، فاستزاد صدوده |
|
وإني على وجدي القديم كما كنت |
__________________
(١) ترجمته في نفح الطيب (ج ١ / ص ٣٦٥) والبيان المغرب (ج ٢ / ص ٢٤٨) والحلة السيراء (ص ١٠١) وجذوة الملتمس (ص ١٣).
(٢) الأبيات في نفح الطيب (ج ١ / ص ٣٧٨).